للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورَوى ابنُ وَهْبٍ: عن مُعاوِيَةَ بن صالحٍ، عن أزْهَرَ بن سعيدٍ (١)، عن أبيهِ، عن عائِشَةَ؛ قالَتْ: ذُكِرَ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ناسٌ يَصومونَ رجبًا، فقالَ: "فأينَ هُم عن شعبانَ" (٢).

وفي قولِهِ - صلى الله عليه وسلم -: "يَغْفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ"، إشارةٌ إلى أنَّ بعضَ ما يَشْتَهِرُ فضلُهُ مِن الأزمانِ أوِ الأماكنِ أوِ الأشخاصِ قد يَكونُ غيرُهُ أفضلَ منهُ إمَّا مطلقًا أو لخصوصيَّةٍ فيهِ لا يَتَفَطَّنُ لها أكثرُ النَّاسِ فيَشْتَغِلونَ بالمشهورِ عنهُ ويُفَوِّتونَ تحصيلَ فضيلةِ ما ليسَ بمشهورٍ عندَهُم (٣).

وفيهِ دليلٌ على استحبابِ عمارةِ أزمانِ غفلةِ النَّاسِ بالطَّاعةِ، وأنَّ ذلكَ محبوبٌ للهِ عَزَّ وجَلَّ، كما كانَ طائفةٌ مِن السَّلفِ يَسْتَحِبُّونَ إحياءَ ما بينَ العشاءينِ بالصلاةِ ويَقولونَ: هيَ ساعةُ الغفلةِ (٤)، وكذلكَ فضلُ القيامِ في وسطِ الليلِ لشمولِ الغفلةِ لأكثرِ النَّاسِ فيهِ عن الذِّكرِ، وقد قالَ - صلى الله عليه وسلم -: "إنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تَكونَ ممَّن يَذْكُرُ الله في تلكَ السَّاعةِ فكُنْ" (٥). ولهذا المعنى كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُريدُ أنْ يُؤَخِّرَ العشاءَ إلى نصفِ الليلِ، وإنَّما عَلَّلَ تركَ ذلكَ بخشيةِ المشقَّةِ على النَّاسِ (٦). ولما خَرَجَ - صلى الله عليه وسلم - على أصحابهِ وهُم يَنْتَظِرونَهُ لصلاةِ العشاءِ؛ قالَ [لهُم]: "ما يَنْتَظِرُها أحدٌ مِن أهلِ الأرضِ غيرُكُم" (٧). وفي هذا إشارةٌ إلى فضيلةِ التَّفرُّدِ بذكرِ اللهِ في وقتٍ من الأوقاتِ لا يوجَدُ فيهِ ذاكرٌ لهُ. ولهذا وَرَدَ في فضلِ الذِّكرِ في الأسواقِ ما وَرَدَ مِن الحديثِ المرفوعِ والآثارِ الموقوفةِ، حتَّى


(١) في خ و م و ن: "أزهر بن سعد"! والذي يروي عنه معاوية هو أزهر بن سعيد لا ابن سعد.
(٢) (ضعيف). تقدّم (ص ٢٨٧) عن أمّ أزهر لا عن أبيه، فإن كان ذكر أبيه محفوظًا فعلّة جديدة.
(٣) كما يتأخّر كثيرون في الحضور إلى المسجد لصلاة القيام في رمضان حتّى تنقضي جماعة العشاء! ويقوم آخرون الليل بطوله ثمّ يستعجلون الفجر قبل الجماعة من شدّة نعاسهم!
(٤) تخصيص ما بين العشاءين بصلاة مخصوصة غير سنّة المغرب وركعتين قبل فرض العشاء والتزامها بدعوى أنّه وقت غفلة أو غير ذلك لا يجوز، بل هو داخل في باب البدع المنهيّ عنها كما قدّمت.
(٥) (صحيح). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ١١٥)، لكنّ المقصود بقوله - صلى الله عليه وسلم - "في تلك الساعة" هو ثلث الليل الأخير لا وسطه كما تقدّم.
(٦) كما جاء في حديث ابن عبّاس عند: البخاري (٩ - المواقيت، ٢٤ - النوم قبل العشاء، ٢/ ٥٠/ ٥٧١)، ومسلم (٥ - المساجد، ٣٩ - وقت العشاء، ١/ ٤٤٤/ ٦٤٢).
(٧) رواه: البخاري (الموضع السابق، ٥٦٩ و ٥٧٠)، ومسلم (الموضع السابق، ١/ ٤٤٢/ ٦٣٩).

<<  <   >  >>