أنَّهُ أكَلَ في بيتِهِ.
وكانوا يَسْتَحِبُّونَ لمَن صامَ أنْ يُظْهِرَ ما يُخْفي بهِ صيامَهُ.
فعنِ ابن مَسْعودٍ قالَ: إذا أصْبَحْتُمْ صيامًا؛ فأصْبِحوا مدَّهنين.
وقالَ قتادَةُ: يُسْتَحَبُّ للصَّائمِ أنْ يَدَّهِنَ حتَّى تَذْهَبَ عنهُ غُبْرَةُ الصِّيامِ.
وقالَ أبو التَّيَّاحِ: أدْرَكْتُ أبي ومشيخةَ الحيِّ إذا صامَ أحدُهُمُ ادَّهَنَ ولَبِسَ أحسنَ ثيابِهِ.
ويُرْوى أنَّ عيسى بنَ مَرْيَمَ عليهِ السَّلامُ قالَ: إذا كانَ يومُ صومِ أحدِكُم؛ فلْيَدْهَنْ لحيتَهُ ولْيَمْسَحْ شفتيهِ مِن دهنِهِ حتَّى يَنْظُرَ النَّاظرُ إليهِ [فـ) ـيَرى أنَّهُ ليسَ بصائمٍ.
اشْتَهَرَ بعضُ الصَّالحينَ بكثرةِ الصِّيامِ، فكانَ يَجْتَهِدُ في إظهارِ فطرِهِ للنَّاسِ، حتَّى [كانَ] يَقومُ يومَ الجمعةِ والنَّاسُ مجتمعونَ في مسجدِ الجامعِ، فيَأْخُذُ إبريقًا، [فـ) ـيَضَعُ بلبلتَهُ في فيهِ ويَمَصُّهُ ولا يَزْدَرِدُ منهُ شيئًا ويَبْقى ساعةً كذلكَ لِيَنْظُرَ النَّاسُ إليهِ فيَظنُّوا أنَّهُ يَشْرَبُ الماءَ، وما يَدْخُلُ إلى حلقِهِ منهُ شيءٌ.
كم يَسْتُرُ الصَّادقونَ أحوالَهُم وريحُ الصِّدقِ يَنُمُّ عليهِم.
ريحُ الصِّيامِ أطيبُ مِن ريحِ المسكِ، تَسْتَنْشِقُهُ قلوبُ المؤمنينَ وإنْ أُخْفِيَ، وكلَّما طالَتْ عليهِ المدَّةُ؛ ازْدادَ قوَّةُ ريحِهِ.
كَمْ أكْتُمُ حُبَّكُمْ عَنِ الأغْيارِ … وَالدَّمْعُ يُذيعُ في الهَوى أسْراري
كَمْ أسْتُرُكُم هَتَكْتُمُ أسْتاري … مَنْ يُخْفي في الهَوى لَهيبَ النَّارِ
ما أسَرَّ أحدٌ سريرةً إلَّا ألْبَسَهُ اللهُ رداءَها علانيةً.
وَهَبْني كَتَمْتُ السِّرَّ أوْ قُلْتُ غَيْرَهُ … أتَخْفى عَلى أهْلِ القُلوبِ السَّرائِرُ
أبى ذاكَ أنَّ السِّرَّ في الوَجْهِ ناطِقٌ … وَأنَّ ضَميرَ القَلْبِ في العَيْنِ ظاهِرُ
ومنها: أنَّهُ أشقُّ على النُّفوسِ، وأفضلُ الأعمالِ أشقُّها على النُّفوسِ (١). وسببُ
(١) لا يخلو هذا التعميم من نظر، والأمثلة الشاهدة لذلك كثيرة جدًّا.