للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بشريعتِهِ بينَ المتَّقينَ والفجَّار، حتَّى امْتازَ أهلُ اليمينِ مِن أهلِ اليسار، وانْفَتَحَتْ أقفالُ القلوبِ فانْشَرَحَتْ بالعلمِ والوقار، وزالَ عن الأسماعِ أثقالُ الأوقار (١). صَلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلهِ أُولي الإقدامِ والأقدار، وعلى أصحابِهِ أقطابِ الأقطار، صلاةً تُبَلِّغُهُم في تلكَ الأوطانِ نهايةَ الأوطار، وسَلَّمَ تسليمًا.

• أمَّا بعدُ؛ فقد قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [الإسراء: ١٢]. وقالَ تَعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ} [يونس: ٥]. فأخْبَرَ سبحانَهُ وتَعالى أنَّهُ عَلَّقَ معرفةَ السِّنينَ والحسابَ على تقديرِ القمرِ منازلَ. وقيلَ: بل على جعلِ الشَّمسِ ضياءً والقمرِ نورًا؛ لأنَّ حسابَ السَّنةِ والشَّهرِ يُعْرَفُ بالقمرِ، واليومِ والأُسبوعِ يُعْرَفُ بالشَّمسِ، وبهِما يَتِمُّ الحسابُ (٢).

وقولُهُ تَعالى: {لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ}: لمَّا كانَ الشَّهرُ الهلاليُّ لا يَحْتاجُ إلى عدٍّ لتوقيتِهِ بما بينَ الهلالينِ؛ لمْ تقُلْ: لِتَعْلَموا عددَ الشُّهورِ؛ فإنَّ الشَّهرَ لا يُحْتاجُ إلى عدِّهِ إلَّا إذا غُمَّ آخرُهُ، فيُكْمَلُ عددُهُ بالاتِّفاقِ؛ إلَّا في شهرِ شَعْبانَ إذا غُمَّ آخرُهُ بالنِّسبةِ إلى صومِ رمضانَ خاصَّةً؛ فإنَّ فيهِ اختلافًا مشهورًا (٣). وأمَّا السَّنةُ؛ فلا بدَّ مِن عددِها؛ إذ ليسَ لها حدٌّ ظاهرٌ في السَّماءِ، فيُحْتاجُ إلى عددِها بالشُهورِ، ولا سيَّما معَ تطاولِ السِّنينَ وتعدُّدِها (٤).


(١) الأوقار: جمع وقر بفتح الواو، وهو ثقل السمع أو ذهابه.
(٢) وفي كلا القولين نظر: أمّا الأوّل؛ فلأنّه راعى بعض آية يونس ولم يلتفت إلى آية الإسراء بالكلّيّة. وأمّا الثاني؛ فلأنّه اقتصر على بعض آية يونس وأغفل بعضها، وآية يونس ظاهرة في أنه تعالى علّق حساب الأزمنة المختلفة بالأمرين معًا. وقولهم "الأسبوع يعرف بالشمس" فيه نظر أيضًا؛ لأنّ حساب الأسابيع بالقمر أيسر، وهو ما يعرف بالتربيع عند أهل الفلك.
(٣) قال ابن عبد الهادي رحمة الله عليه: "الذي دلّت عليه الأحاديث وهو مقتضى القواعد؛ أنّه أيّ شهر غمّ أكمل ثلاثين، سواء في ذلك شعبان ورمضان وغيرهما". وهو مذهب الجمهور وأحد أقوال الإمام أحمد في المسألة. وانظر "فتح الباري" (٤/ ١٢٢).
(٤) فيه نظر فيما يتعلّق بالسنة الواحدة على الخصوص؛ لأنّ اختلاف منازل الشمس في قبّة السماء =

<<  <   >  >>