للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• أحدُها: أنْ يَصومَهُ بنيَّةِ الرَّمضانيَّةِ احتياطًا لرمضانَ. فهذا منهيٌّ عنهُ. وقد فَعَلَهُ بعضُ الصَّحابةِ، وكأنَّهُم لمْ يَبْلُغْهُمُ النَّهيُ عنهُ. وفَرَّقَ ابنُ عُمَرَ بينَ يومِ الغيمِ والصَّحوِ في يومِ الثَّلاثينَ مِن شعبانَ، وتَبِعَهُ الإمامُ أحْمَدُ (١).

• والثَّاني: أن يُصامَ بنيَّةِ النَّذرِ أو قضاءً عن رمضانَ أو عن كفارةٍ ونحوِ ذلكَ: فجَوَّزَهُ الجمهورُ (٢). ونَهى عنهُ مَن أمَرَ بالفصلِ بينَ شعبانَ ورمضانَ بفطرِ يومٍ مطلقًا، وهم طائفةٌ مِن السَّلفِ. وحُكِيَ كراهتُهُ أيضًا عن أبي حَنيفَةَ والشَّافِعِيِّ، وفيهِ نظرٌ.

• والثَّالثُ: أنْ يُصامَ بنيَّةِ التَّطوُّعِ المطلقِ. فكَرِهَهُ مَن أمَرَ بالفصلِ بينَ شعبانَ ورمضانَ بالفطرِ - ومنهُمُ الحَسَنُ - وإنْ وافَقَ صومًا كانَ يَصومُهُ، ورَخَّصَ فيهِ مالكٌ ومَن وافَقَهُ، وفَرَّقَ الشَّافِعِيُّ والأوزاعِيُّ وأحْمَدُ وغيرُهُم بينَ أنْ يُوافِقَ عادةً أو لا (٣).

وكذلكَ يُفَرَّقُ [بينَ هذا و] (٤) بينَ مَن تَقَدَّمَ صيامَهُ بأكثرَ مِن يومينِ ووَصَلَهُ برمضانَ، فلا يُكْرَهُ أيضًا (٥)؛ إلَّا عندَ مَن كَرِهَ الابتداءَ بالتَّطوُّعِ بالصِّيامِ بعدَ نصفِ شعبانَ؛ فإنَّهُ يَنْهى عنهُ؛ إلَّا أنْ يَبْتَدِئَ الصِّيامَ قبلَ النِّصفِ ثمَّ يَصِلَهُ برمضانَ (٦).

وفي الجملةِ؛ فحديثُ أبي هُرَيْرَةَ هوَ المعمولُ بهِ في هذا البابِ عندَ كثيرٍ مِن العلماءِ، وأنَّهُ يُكْرَهُ التَّقدُّمُ قبلَ رمضانَ بالتَّطوُّعِ بالصِّيامِ بيومٍ أو يومينِ لمَن ليسَ لهُ بهِ


(١) في أحد أقواله الثلاثة في المسألة، وسوف يأتي تفصيل هذا قريبًا.
(٢) وهو أولى الأقوال بالصواب. والله أعلم.
(٣) وهو أولى الأقوال بالصواب. والله أعلم.
(٤) زيادة يقتضيها السياق.
(٥) فيه نظر من وجوه: أوّلها: أنّه يبسٌ شديد على ظاهر النصّ - والثانى: أنّ من تقدّم بثلاثة فهو داخل في عموم من تقدّم بيومين. والثالث: أنّه لا فرق عمليًّا بين من تقدّم بيومين فخالف ظاهر أمره - صلى الله عليه وسلم - وبين من تقدّم بثلاثة فاحتال بيوم لمخالفة ظاهر أمره - صلى الله عليه وسلم -، فالأعمال بالنيّات، والله عليم بالسرائر. والرابع: أنّك إن سألت من تقدّم رمضان بثلاثة: ما هذا الصوم؟ فإن كان عادة له أو داخلًا في صوم له؛ خرج من الإثم باستثناء النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بنصّ الحديث، وإن كان صومًا مطلقًا عرض له قبل رمضان بثلاثة أيّام؛ فهذا هو التقدّم بعينه، وهذا هو الذي نهى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عنه، وإنّما اقتصر على ذكر اليوم واليومين لأنّه الغالب. وبهذا قطع جماعة من أهل العلم.
(٦) وهذا كالذي قبله تمامًا ولا فرق، ويرد عليه ما ورد على الذي قبله، ولا يخرج المرء من إثم المخالفة إلّا بأن يكون صيام شعبان أو أكثره أو بعضه أو الأيّام البيض أو السود أو الاثنين والخميس أو ثلاثة أيّام من كلّ أسبوع أو صوم يوم وإفطار يوم … إلخ أن يكون هذا له عادة.

<<  <   >  >>