للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهوَ ملتحِقٌ برمضانَ في الفضلِ، فمَن فاتَهُ ما قبلَهُ، صامَهُ فيما بعدَهُ (١)، كما كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَصومُ شعبانَ ونَدَبَ إلى صيامِ شوَّالٍ.

• وإنَّما يُشْكِلُ على هذا حديثُ أبي هُرَيْرَةَ في نهي النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عن تقدُّمِ رمضانَ بيومٍ أو يومينِ إلَّا مَن لهُ عادةٌ أو مَن كانَ يَصومُ صومًا. وأَكثرُ العلماءِ على أنَّهُ نَهى عن التَّقدُّمِ إلَّا مَن كانَتْ لهُ عادة بالتَّطوُّعِ فيهِ، وهوَ ظاهرُ الحديثِ. ولم يَذْكُرْ أكثرُ العلماءِ في تفسيرِهِ بذلكَ اختلافًا، وهوَ الذي اخْتارَهُ الشَّافِعِيُّ في تفسيرِهِ، ولم يُرَجِّحْ ذلكَ الاحتمالَ المتقدِّمَ.

وعلى هذا؛ فيُرَجَّحُ حديثُ أبي هُرَيْرَةَ على حديثِ عِمْرانَ؛ فإنَّ حديثَ أبي هُرَيْرَةَ فيهِ نهيٌ عامٌّ للأمَّةِ عمومًا، فهوَ تشريعٌ عامٌّ للأُمَّةِ، فيُعْمَلُ بهِ. وأمَّا حديثُ عِمْرانَ، فهيَ قضيَّةُ عينٍ في حقِّ رجلٍ معيَّنٍ، فيَتَعَيَّنُ حملُهُ على صورةِ صيامٍ لا يُنْهى عن التَّقدُّمِ بهِ جمعًا بينَ الحديثينِ.

وأحسنُ ما حُمِلَ عليهِ أن هذا الرَّجلَ الذي سَألَهُ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ قد عَلِمَ منهُ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ كانَ يَصومُ شعبانَ أو أكثرَهُ موافقةً لصيامِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وكانَ قد أفْطَرَ فيهِ بعضَهُ (٢)، فسَألَهُ عن صيامِ آخرِهِ، فلمَّا أخْبَرَهُ أنَّهُ لمْ يَصُمْ آخرَهُ؛ أمَرَهُ بأنْ يَصومَ بدلَهُ بعدَ يومِ الفطرِ، لأنَّ صيامَ أوَّلِ سوَّالٍ كصيامِ آخرِ شعبانَ، وكلاهُما حريمٌ لرمضانَ.

• وفيهِ دليلٌ على استحبابِ قضاءِ ما فاتَ مِن التَّطوُّعِ بالصِّيامِ، وأنْ يَكونَ في أيَّامٍ مشابهةٍ للأيَّامِ التي فاتَ فيها الصِّيامُ في الفضلِ (٣).

• وفيهِ دليلٌ على أنَّهُ يَجوزُ لمَن صامَ شعبانَ أو أكثرَهُ أنْ يَصِلَهُ برمضانَ مِن غيرِ فصلٍ بينَهُما.

فصيامُ آخرِ شعبانَ لهُ ثلاثةُ أحوالٍ:


(١) والأظهر - والله أعلم - أنه أمره بقضائه في شوّال حثًّا على المسارعة في الخيرات وعدم تأجيلها.
(٢) أو علم منه أنّه اعتاد صيام أيّام السرار من كلّ شهر.
(٣) أمّا استحباب قضاء ما فات من التطوّع؛ فنعم. وأمّا أن يكون في أيّام مشابهة لأيّام المقضيّ! فلا يستقيم إلّا إذا ثبت مشابهة شوّال لشعبان في الفضل!

<<  <   >  >>