للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* وفَرَّقَ الأزْهَرِيُّ بينَ سِرارِ الشَّهرِ وسِرِّهِ، فقالَ: سَرارُهُ وسَرَرُهُ آخرُهُ، وسِرُّهُ وسطُهُ، وهيَ أيَّامُ البيضِ، وسرُّ كلِّ شيءٍ جوفُهُ. وفي روايةٍ لمسلمٍ في حديثِ عِمْرانَ بن حُصَيْنٍ المذكورِ: "هل صُمْتَ مِن سُرَّةِ (١) هذا الشَّهرِ"، وفُسِّرَ ذلكَ بالأيَّامِ البيضِ.

قُلْتُ: لا يَصِحُّ أنْ يُفَسَّرَ سِررُ الشَّهرِ وسَرارُهُ بأوَّلِهِ؛ لأنَّ أوَّلَ الشَّهرِ يَشْتَهِرُ فيهِ الهلالُ ويُرَى مِن أوَّلِ الليلِ، ولذلكَ سُمِّيَ الشَّهرُ شهرًا؛ لاشتهارِهِ وظهورِهِ. فتسميةُ ليالي الاشتهارِ لياليَ السِّرارِ قلبٌ للُّغةِ والعرفِ.

وقد أنْكَرَ العلماءُ ما حَكاهُ أبو داوودَ عن الأوْزاعِيِّ، منهُمُ الخَطَّابِيُّ، ورَوى بإسنادِهِ عن الوَليدِ عن الأوْزاعِيِّ؛ قالَ: سِرُّ الشَّهرِ آخرُهُ. وقالَ الهَرَوِيُّ: المعروفُ أن سِرَّ الشَّهرِ آخرُهُ. وفَسَّرَ الخَطَّابِيُّ حديثَ مُعاوِيَةَ "صوموا الشَّهرَ وسِرَّهُ" بأنَّ المرادَ بالشَّهرِ الهلالُ، فيَكونُ المعنى: صوموا أوَّلَ الشَّهرِ وآخرَهُ، فلذلكَ أمَرَ مُعاوِيَةَ بصومِ آخرِ الشَّهرِ.

قُلْتُ: لمَّا رَوى مُعاوِيَةُ "صوموا الشَّهرَ وسِرَّهُ" وصامَ آخرَ الشَّهرِ؛ عُلِمَ أنَّهُ فَسَّرَ السرَّ بالآخرِ. والأظهرُ أن المرادَ بالشَّهرِ شهرُ رمضانَ كلِّهِ، والمرادُ بسِرِّهِ آخرُ شعبانَ، كما في روايةِ البُخارِيِّ في حديثِ عِمْرانَ: "أظُنُّهُ يَعْني رمضانَ". وأضافَ السِّرَّ إلى رمضانَ وإنْ لمْ يَكُنْ منهُ، كما سُمِّيَ رمضانُ شهرَ عيدٍ وإنْ كانَ العيدُ ليسَ منهُ لكنَّهُ يَعْقُبُهُ.

فدَلَّ حديثُ عِمْرانَ وحديثُ مُعاوِيَةَ على استحبابِ صيامِ آخرِ شعبانَ (٢).

• وإنَّما أمَرَ بقضائِهِ في أوَّل شوَّالٍ؛ لأنَّ كلًّا مِن الوقتينِ صيامٌ يَلي شهرَ رمضانَ،


(١) قال النووي تبعًا لابن قرقول: "كذا هو في جميع النسخ"؛ يعني: نسخ "الصحيح". نقله العسقلاني في "الفتح" (٣/ ٢٣٠) ثمّ قال: "والذي رأيته في رواية أبي بكر بن ياسر الجيّاني ومن خطه نقلت "سرر هذا الشهر" كباقي الروايات". ثمّ قال: "لم أره في جميع طرق الحديث باللفظ الذي ذكره - وهو "سرّة" - بل هو عند أحمد من وجهين بلفظ "سرار"، وأخرجه من طرق عن سليمان التيمي في بعضها "سرر" وفي بعضها "سرار"" اهـ. فالظاهر أنّ الصواب رواية الجيّاني.
(٢) فيه نظر! فأمّا حديث معاوية! فضعيف. وأمّا حديث عمران؛ فقصاراه أن يدلّ على استحباب صوم سرار الأشهر أو ما يسمّيه بعضهم بالأيّام السود، فمن اعتاد صومها؛ فلا بأس عليه إن تقدّم رمضان بيوم أو يومين، فإن أحبّ أن يفطر قبل رمضان؛ فيستحبّ له أن يقضي ما فاته من سرار شعبان في شوّال.

<<  <   >  >>