للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا مذهبُ مالِكٍ، وذَكَرَ أنَّهُ القولُ الذي أدْرَكَ عليهِ أهلَ العلمِ، حتَّى قالَ مُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ مِن أصحابِهِ: يُكْرَهُ الأمرُ بفطرِهِ؛ لئلَّا يُعْتَقَدَ وجوبُ الفطرِ قبلَ الشَّهرِ كما وَجَبَ بعدَهُ، وحَكى ابنُ عَبْدِ البَرِّ هذا القولَ عن أكثرِ علماءِ الأمصارِ. وذَكَرَ مُحَمَّدُ بنُ ناصِرٍ الحافظُ أن هذا هوَ مذهبُ أحْمَدَ أيضًا، وغُلِّطَ في نقلِهِ هذا عن أحْمَدَ.

ولكنْ يُشْكِلُ على هذا حديثُ أبي هُرَيْرَةَ وقولُهُ: "إلَّا مَن كانَ يَصومُ صومًا فَلْيَصُمْهُ" (١).

وقد ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ في كتابِهِ "مختلف الحديث" احتمالًا في معنى قولِهِ "إلَّا مَن كانَ يَصومُ صومًا فَلْيَصُمْهُ" وفي روايةٍ "إلَّا أنْ يُوافِقَ ذلكَ صومًا كانَ يَصومُهُ أحدُكُم": أن المرادَ بموافقةِ العادةِ صيامُهُ على عادةِ النَّاسِ في التَّطوُّعِ بالصِّيامِ دونَ صيامِهِ بنيَّةِ الرَّمضانيَّةِ للاحتياطِ (٢).

* وقالَتْ طائفةٌ: سرُّ الشَّهرِ؛ أوَّلُهُ.

وخَرَّجَ أبو داوودَ في بابِ تقدُّمِ رمضانَ (٣) مِن حديثِ مُعاوِيَةَ، أنَّهُ قالَ: إنِّي متقدِّمٌ الشَّهرَ، فمَن شاءَ فَلْيَتَقَدَّمْ. فسُئِلَ عن ذلكَ، فقالَ: سَمِعْتُ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَقولُ: "صوموا الشَّهرَ وسرَّهُ" (٤). ثمَّ حَكى أبو داوودَ عن الأوْزاعِيِّ وسَعيدِ بن عَبْدِ العَزيزِ أن سرَّ الشَّهرِ أوَّلُهُ. قالَ أبو داوودَ: وقالَ بعضُهُم: سرُّهُ وسطُهُ.


(١) وجه الإشكال أنّه - صلى الله عليه وسلم - استثنى فقط من وافق هذان اليومان صيامًا معتادًا له، فألحق أصحاب هذا القول به من لم يوافق هذان اليومان صيامًا معتادًا له، وصرفوا النصّ عن ظاهره في العادة إلى النيّة!
(٢) ولكنّه استضعفه ورجّح غيره كما سيأتيك قريبًا.
(٣) في خ: "تقديم رمضان"! وهذا تحريف صوابه ما أثبتّه من م ون وط.
(٤) (ضعيف). رواه: أبو داوود (٨ - الصيام، ٨ - التقدّم، ١/ ٧١١/ ٢٣٢٩)، والطبراني في "الكبير " (١٩/ ٣٨٤/ ٩٠١) و"الشاميّين" (٧٩٥)، والبيهقي في "السنن" (٤/ ٢١٠)، وابن عساكر في "التاريخ" (٦٠/ ٨١)؛ من طريق الوليد بن مسلم، (عن عبد الله بن العلاء بن زبر؛ إلّا ابن عساكر فعن سعيد بن عبد العزيز)، سمعت أبا الأزهر المغيرة بن فروة، سمع معاوية يخطب … فذكره.
وهذا سند ضعيف من أجل الوليد؛ فقد عنعنه عندهم جميعًا، نعم صرّح بالتحديث في "الشاميّين"، لكن من وجه ضعيف عنه، فلا يليق أن يعتمد. وأبو الأزهر تابعيّ، روى عنه جماعة من الثقات، وذكره ابن حبّان في "الثقات"، فحريّ ألّا يعلّ الحديث به. وقد سكت عنه المنذري وضعّفه الألباني.

<<  <   >  >>