للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خَرَبَتْ مِن ديار! وكم أخْلَتْ ديارًا مِن أهلِها فما بَقِيَ منهُم ديَّار! كم أخَذَتْ مِن العصاةِ بالثَّار! كم مَحَتْ لهُم مِن آثار!

يا صاحِبَ الذَّنْبِ لا تَأْمَنْ عَواقِبَهُ … عَواقِبُ الذَّنْبِ تُخْشى وَهْيَ تُنْتَظَرُ

فَكُلُّ نَفْسٍ سَتُجْزى بِالَّذي كَسَبَتْ … وَلَيْسَ لِلْخَلْقِ مِن دَيَّانِهِمْ وَزَرُ (١)

أينَ حالُ هؤلاءِ الحمقى مِن قومٍ كانَ دهرُهُم كلُّهُ رمضانَ؛ ليلُهُم قيامٌ ونهارُهُم صيامٌ؟!

باعَ قومٌ مِن السَّلفِ جاريةً، فلمَّا قَرُبَ شهرُ رمضانَ؛ رَأتْهُمْ يَتَأهَّبونَ لهُ ويَسْتَعِدُّونَ بالأطعمةِ (٢) وغيرِها، فسَألَتْهُم، فقالوا: نَتَهَيأُ لصيامِ رمضانَ، فقا لَتْ: وأنتُم لا تَصومونَ إلَّا رمضانَ؟! لقد كُنْتُ عندَ قومٍ كلُّ زمانِهِم رمضانُ، رُدُّوني عليهِم.

وباعَ الحَسَنُ بنُ صالِحٍ جاريةً لهُ، فلمَّا انْتَصَفَ الليلُ؛ قامَتْ فنادَتْهُم: يا أهلَ الدَّارِ! الصَّلاةَ الصَّلاةَ! قالوا: أطَلَعَ الفجرُ؟ قالَتْ: وأنتُم لا تُصَلُّونَ إلَّا المكتوبةَ؟! ثمَّ جاءَتْ إلى الحَسَنِ فقالَتْ: بِعْتَني على قومِ سوءٍ لا يُصَلُّونَ إلَّا الفرائضَ، رُدَّني رُدَّني.

قال بعضُ السَّلفِ: صُمِ الدُّنيا واجْعَلْ فطرَكَ الموتَ.

الدُّنيا كلُّها شهرُ صيامِ المتَّقينَ، يَصومونَ فيهِ عن الشَّهواتِ [المحرَّماتِ]، فإذا جاءَهُمُ الموتُ؛ فقدِ انْقَضى شهرُ صيامِهِم واسْتَهَلُّوا عيدَ فطرِهِم.

وَقَدْ صُمْتُ عَنْ لَذَّاتِ دَهْرِيَ كُلِّها … وَيَوْمَ لِقاكُمْ ذاكَ فِطْرُ صِيامي

مَن صامَ اليومَ عن شهواتِه؛ أفْطَرَ عليها بعدَ مماتِه، ومَن تَعَجَّلَ ما حُرمَ عليهِ قبلَ وفاتِه؛ عوقِبَ بحرمانِهِ في الآخرةِ وفواتِه.

وشاهدُ ذلكَ: قولُهُ تَعالى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا} الآيةَ [الأحقاف: ٢٥]. وقولُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: "مَن شَرِبَ الخمرَ في الدُّنيا؛ لمْ يَشْرَبْها في الآخرةِ" (٣)، و"مَن لَبِسَ الحريرَ في الدُّنيا؛ لمْ يَلْبَسْهُ في


(١) في خ: "الحذار الحذار … دنياهم وزر"! والصواب ما أثبتّه من م ون وط. والوزر: المفرّ.
(٢) في خ ون: "في الأطعمة"، والأولى ما أثبتّه من م وط.
(٣) رواه: البخاري (٧٤ - الأشربة، ١ - إنّما الخمر والميسر، ١٠/ ٣٠/ ٥٥٧٥)، ومسلم (٣٦ - =

<<  <   >  >>