للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَإنْ كانوا قَدِ اسْتَغْنَوْا … فَإنَّا عَنْهُمُ أغْنى

كم يُنادى حَيَّ على الفلاحِ وأنْتَ خاسر! كم تُدْعى إلى الصَّلاحِ وأنتَ على الفسادِ مثابر!

إذا رَمَضانُ أتى مُقْبِلًا … فَأقْبِلْ فَبِالخَيْرِ يُسْتَقْبَلُ

لَعَلَّكَ تُخْطِئُهُ قابِلًا … وَتَأْتي بِعُذْرٍ فَلا يُقْبَلُ

كم ممَّن أمَّلَ أنْ يَصومَ هذا الشَّهر فخانَهُ أملُهُ فصارَ قبلَهُ إلى ظلمةِ القبر!

كم مِن مستقبلٍ يومًا لا يَسْتكْمِلُه ومؤمِّلٍ غدًا لا يُدْرِكُه!

إنَّكم لو أبْصَرْتُمُ الأجلَ ومسيرَه؛ لأبْغَضْتُمُ الأملَ وغرورَه.

خَطَبَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزيزِ آخرَ خطبةٍ خَطَبَها فقالَ فيها: إنَّكم لم تُخْلَقوا عبثًا، ولنْ تُتْرَكوا سدًى، وإنَّ لكُم معادًا يَنْزِلُ اللهُ فيهِ للفصلِ بينَ عبادِهِ، فقد خابَ وخَسِرَ مَن خَرَجَ مِن رحمةِ اللهِ التي وَسِعَتْ كلَّ شيءٍ وحُرِمَ جنَّةً عرضها السَّماواتُ والأرضُ. ألا تَرَوْن أنَّكم في أسلابِ الهالكينَ، وسَيَرِثُها بعدَكُمُ الباقونَ كذلكَ [حتَّى] تُرَدَّ إلى خيرِ الوارثينَ؟! وفي كلِّ يومٍ تُشَيِّعونَ غاديًا ورائحًا إلى اللهِ قد قَضى نحبَهُ وانْقَضى أجلُهُ، فتُوَدِّعونَهُ وتَدَعونَهُ في صدعٍ مِن الأرضِ غيرِ موسَّدٍ ولا ممهَّدٍ، قد خَلَعَ الأسبابَ وفارَق الأحبابَ وسَكَنَ التُّرابَ وواجَهَ الحسابَ، غنيًّا عمَّا خَلَّفَ فقيرًا إلى ما أسْلَفَ، فاتَّقوا الله عبادَ اللهِ قبلَ نزولِ الموتِ وانقضاءِ مواقيتِهِ، وإنِّي لأقولُ لكُم هذهِ المقالةَ وما أعْلَمُ عندَ أحدٍ مِن الذُّنوبِ أكثرَ ممَّا أعْلَمُ عندي، ولكنِّـ[ـي] أسْتَغْفِرُ الله وأتوبُ إليهِ. ثمَّ رَفَعَ طرفَ ردائِهِ وبَكى حتَّى شَهَقَ، ثمَّ نَزَلَ عن المنبرِ فما عادَ إلى المنبرِ بعدَها حتَّى ماتَ رحمةُ اللهِ عليهِ (١).

يا ذا الذي ما كَفاهُ الذَّنْبُ في رَجَبٍ … حَتَّى عَصى رَبَّهُ في شَهْرِ شَعْبانِ

لَقَدْ أظَلَّكَ شَهْرُ الصوْمِ بَعْدَهُما … فَلا تُصيِّرْهُ أيْضًا شَهْرَ عِصيانِ

وَاتْلُ القُرَانَ وَسَبِّحْ فيهِ مُجْتَهِدًا … فَإنَّهُ شَهْرُ تَسْبيحٍ وَقُرْآنِ


(١) وهي والله من عيون الخطب. رحمة الله عليهم، ما كان أجزل كلامهم وأقلّه وأدلّه!

<<  <   >  >>