للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* فإنَّ الصِّيامَ مِن الصَّبرِ، وقد قالَ اللهُ: {إنَّما يُوَفَّى الصَّابِرونَ أجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠].

ولهذا وَرَدَ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ سَمَّى شهرَ رمضانَ شهرَ الصَّبرِ (١).

وفي حديثٍ آخرَ عنهُ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "الصَّومُ نصفُ الصَّبرِ" (٢). خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ.

والصَّبرُ ثلاثةُ أنواعٍ: صبرٌ على طاعةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وصبرٌ عن محارمِ اللهِ، وصبرٌ على أقدارِ اللهِ المؤلمةِ. وتَجْتَمعُ الثَّلاثةُ كلُّها في الصَّومِ؛ فإنَّ فيهِ صبرًا على طاعةِ اللهِ، وصبرًا عمَّا حَرَّمَ اللهُ على الصَّائمِ مِن الشَّهواتِ، وصبرًا على ما يَحْصُلُ للصَّائمِ [فيهِ] مِن ألمِ الجوعِ والعطشِ وضعفِ النَّفسِ والبدنِ.

وهذا الألمُ النَّاشئ مِن أعمالِ الطَّاعاتِ يُثابُ عليهِ صاحبُهُ، كما قالَ تَعالى في المجاهدينَ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ


(١) (صحيح). وقد جاء في جملة من الأحاديث: منها حديث مجيبة الباهليّة الذي تقدّم (ص ٥٥٩) تخريجه وبيان ضعفه. ومنها حديث سلمان الفارسيّ الذي سيأتي بيان ضعفه بعد سطور. ومنها حديثا أبي ذرّ وزهير بن أقيش الصحيحان الآتيان بنصّهما وتفصيل القول فيهما في الحاشية التالية.
(٢) (حسن). وقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - من وجهين:
* فرواه: ابن ماجه (٧ - الصيام، ٤٤ - الصوم زكاة الجسد، ١/ ٥٥٥/ ١٧٤٥)، والقضاعي (٢٢٩)، والبيهقي في "الشعب" (٣٥٧٧ و ٣٥٧٨)؛ عن موسى بن عبيدة، عن جمهان، عن أبي هريرة … رفعه. قال البوصيري: "فيه موسى بن عبيدة الربذي، متّفق على تضعيفه". قلت: وجمهان فلا بأس بحديثه.
* ورواه: معمر في "الجامع" (٢٠٥٨٢)، وأحمد (٤/ ٢٦٠، ٥/ ٣٦٣ و ٣٦٥ و ٣٧٠ و ٣٧٢)، والعدني في "الإيمان" (٥٨)، والدارمي (١/ ١٦٧)، والترمذي (٤٩ - الدعوات، ٨٧ - باب، ٥/ ٥٣٦/ ٣٥١٩)، وابن أبي عاصم في "الآحاد" (١٤٢٩ و ٢٩٢٠)، وابن نصر في "تنظيم الصلاة" (٤٣٢)، والطبراني في "الدعاء" (١٧٣٤)، وأبو الشيخ في "الطبقات" (٤/ ١٣)، والبيهقي في "الشعب" (٦٣١)؛ من طرق ثلاثة، عن جريّ النهديّ، عن رجل من بني سليم من أصحاب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - … رفعه في سياق. قال الترمذي: "حديث حسن". قلت: حديث جريّ لا يحتمل التحسين، وفي حقيقة حاله وهل هو رجل أو اثنين أو ثلاثة كلام يطول، وأعدل الأقوال فيه قول العسقلاني "مقبول"، فالسند صالح في الشواهد لا أكثر.
وعليه؛ فهذه القطعة المذكورة حسنة بمجموع هذين الوجهين كما ذكر الترمذي، ولا سيّما أنّ ما قبلها وبعدها يشهد لها في الجملة. وقد مال إلى تحسينه العراقي وضعّف الألباني الحديثان بطولهما، وتضعيفه سليم جار على الأصول، لكنّ هذه القطعة بالتحديد تتقوّى بمجموعهما.

<<  <   >  >>