للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فلمَّا كانَ الصِّيامُ في نفسِهِ مضاعفًا أجرُهُ بالنِّسبةِ إلى سائرِ الأعمالِ؛ كانَ صيامُ شهرِ رمضانَ مضاعفًا على سائرِ الصِّيامِ؛ لشرفِ زمانِهِ وكونِهِ هوَ الصَّومَ الذي فَرَضَهُ اللهُ على عبادِهِ، وجَعَلَ صيامَهُ أحدَ أركانِ الإسلامِ التي بُنِيَ الإسلامُ عليها.

- وقد يُضاعَفُ الثَّوابُ بأسبابٍ أُخرَ منها: شرفُ العاملِ عندَ اللهِ وقربُهُ منهُ وكثرةُ تقواهُ، كما ضوعِفَ أجرُ هذهِ الأُمَّةِ على أُجورِ مَن قبلَهُم مِن الأُممِ وأُعْطُوا كفلينِ مِن الأجرِ.

• وأمَّا على الرِّوايةِ الثانيةِ؛ فاستثناءُ الصِّيامِ مِن بين الأعمالِ يَرْجِعُ إلى أن سائرَ الأعمالِ للعبادِ والصِّيامُ اخْتَصَّهُ اللهُ لنفسِهِ مِن بين أعمالِ عبادِهِ وأضافَهُ إليهِ. وسَيَأْتي ذكرُ توجيهِ هذا الاختصاصِ إنْ شاءَ اللهُ تَعالى.

• وأمَّا [على] الرِّوايةِ الثَّالثةِ؛ فالاستثناءُ يَعودُ إلى التكفيرِ بالأعمالِ، ومِن أحسنِ ما قيلَ في معنى ذلكَ ما قالَهُ سُفْيانُ بنُ عُيَيْنَةَ رَحِمَهُ اللهُ؛ قالَ: هذا مِن أجودِ الأحاديثِ وأجلِّها، إذا كانَ يومُ القيامةِ؛ يُحاسِبُ اللهُ عبدَهُ، ويُؤَدِّي ما عليهِ مِن المظالمِ مِن سائرِ عملِهِ حتَّى لا يَبْقى إلَّا الصَّومُ، فيَتَحَمَّلُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ ما بَقِيَ عليهِ مِن المظالمِ ويُدْخِلُهُ بالصَّومِ الجنَّةَ. خَرَّجَهُ البَيْهَقِيُّ في "شعب الإيمان" وغيرُهُ. وعلى هذا فيَكونُ المعنى أن الصِّيامَ للهِ عَزَّ وجَلَّ، فلا سبيلَ لأحدٍ إلى أخذِ أجرِهِ مِن الصِّيامِ، بل أجرُهُ مدَّخرٌ لصاحبِهِ عندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ. وحينئذٍ [فـ]ـقد يُقالُ: إنَّ سائرَ الأعمالِ [قد] يُكَفِّرُ بها اللهُ عَزَّ وجَلَّ ذنوبَ صاحبِها فلا يَبْقى لها أجرٌ؛ فإنَّهُ رُوِيَ أنَّهُ يوازَنُ يومَ القيامةِ بينَ السَّيِّئاتِ والحسناتِ، ويُقَصُّ بعضُها مِن بعضٍ، فإنْ بَقِيَ مِن الحسناتِ حسنة؛ دَخَلَ بها صاحبُها الجنَّةَ. قالَهُ سَعيدُ بنُ جُبَيْرٍ وغيرُهُ، وفيهِ حديثٌ مرفوعٌ خَرَّجَهُ الحاكِمُ مِن حديثِ ابن عَبَّاسٍ مرفوعًا (١). فيُحْتَمَلُ أنْ يُقالَ في الصَّومِ: إنَّهُ لا يَسْقُطُ ثوابُهُ بمقاصَّةٍ ولا غيرِها،


(١) (ضعيف). رواه: عبد بن حميد (٦٦١ - منتخب)، والعدني (٤/ ٢٥٢ - تلخيص المستدرك)، والبخاري في "التاريخ" (٧/ ١١٣)، وابن جرير (٢٨٢٥٥ و ٣١٢٧١)، وابن المنذر (الأحقاف ١٦ - الدرّ)، وابن أبي حاتم (الأحقاف ١٦ - ابن كثير)، والطبراني (١٠/ ٢٢٠ - مجمع)، والحاكم (٤/ ٢٥٢)، وأبو نعيم في "الحلية" (٣/ ٩١)، والبيهقي في "الشعب" (٦٩٢٠)، والذهبي في "النبلاء" (١٢/ ٣٤٠)؛ من طريق الحكم بن أبان، ثني أبو هارون الغطريف بن عبيد الله، أنّ أبا الشعثاء حدّثه، أنّ ابن عبّاس حدّثه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: يؤتى =

<<  <   >  >>