للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بل يُوَفَّرُ أجرُهُ لصاحبِهِ حتَّى يَدْخُلَ الجنَّةَ فيُوَفَّى أجرُهُ فيها (١).

• وأمَّا قولُهُ: "فإنَّهُ لي"؛ فإن الله خَصَّ الصِّيامَ بإضافتِهِ إلى نفسِهِ دونَ سائرِ الأعمالِ، وقد كَثُرَ القولُ في معنى ذلكَ مِن الفقهاءِ والصُّوفيَّةِ وغيرِهِم، وذَكَروا فيهِ وجوهًا كثيرةً، ومِن أحسنِ ما ذُكِرَ فيهِ وجهانِ:

* أحدُهُما: أن الصِّيامَ هوَ مجرَّدُ تركِ حظوظِ النَّفسِ وشهواتِها الأصليَّةِ التي جُبِلَتْ على الميلِ إليها للهِ عَزَّ وجَلَّ، ولا يوجَدُ ذلكَ في عبادةٍ أُخرى غيرِ الصِّيامِ: لأنَّ الإحرامَ إنَّما يُتْرَكُ فيهِ الجماعُ ودواعيهِ مِن الطِّيبِ دونَ سائرِ الشَّهواتِ مِن الأكلِ والشُّربِ. وكذلكَ الاعتكافُ معَ أنَّهُ تابعٌ للصَّومِ. وأمَّا الصَّلاةُ؛ فإنَّهُ وإنْ تَرَكَ المصلِّي فيها جميعَ الشَّهواتِ، إلَّا أن مدَّتَها لا تَطولُ، فلا يَجِدُ المصلِّي فقدَ الطَّعامِ والشَّرابِ في صلاتِهِ، بل قد نُهِيَ أنْ يُصَلِّيَ ونفسُهُ تَتوقُ إلى الطَّعامِ بحضرتِهِ حتَّى يَتَناوَلَ منهُ ما يُسَكِّنُ نفسَهُ. ولهذا أُمِرَ بتقديمِ العَشاءِ على الصَّلاةِ (٢). وذهَبَتْ طائفةٌ مِن العلماءِ إلى إباحةِ شربِ الماءِ في صلاةِ التَّطوُّعِ، وكانَ ابنُ الزُّبَيْرِ يَفْعَلُهُ في صلاتِهِ، وهوَ روايةٌ عن الإمامِ أحْمَدَ. وهذا بخلافِ الصِّيامِ؛ فإنَّهُ يَسْتَوْعِبُ النَّهارَ كلَّهُ، فيَجِدُ الصَّائمُ فقدَ هذهِ الشَّهواتِ، وتَتُوقُ نفسُهُ إليها، [و] خصوصًا في نهارِ الصَّيفِ؛ لشدَّةِ حرِّهِ وطولِهِ. ولهذا رُوِيَ أن مِن خصالِ الإيمانِ الصَّومَ في الصَّيفِ (٣).


= بحسنات العبد وسيّئاته فيقصّ بعضها ببعض، فإن بقيت حسنة وسّع الله له في الجنّة … " إلخ.
قال الحاكم: "صحيح الإسناد"، ووافقه الذهبي، وقال ابن كثير: "غريب، وإسناده جيّد، ولا بأس به". وقال الهيثمي: "إسناده جيّد". قلت: الحكم صدوق له أوهام، والغطريف مجهول لا يعرف إلّا بهذا الراوي وهذا الحديث، فالسند ضعيف.
(١) فيه نظر يوضّحه ما رواه مسلم (٢٥٨١) من حديث أبي هريرة عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا … فيعطى هذ من حسناته … فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثمّ طرح في النار"! فهذا بيّن في أنّ الصيام يدخل في المقاصّة بين الحسنات والسيئات، ولو لم يدخل لما ذكره النبيّ - صلى الله عليه وسلم - هنا أصلًا ولما فنيت الحسنات ولما صار الرجل مفلسًا أصلًا!
(٢) جاء هذا عنه - صلى الله عليه وسلم - في غير ما حديث بعضها مخرّج في الصحيحين.
(٣) (موقوف ضعيف). رواه: ابن سعد (٣/ ٣٥٩)، والبيهقي في "الشعب" (٢٧٥٦)؛ من طريق ليث بن أبي سليم، عن أبي منير رجل من مكّة، عن ابن عمر، قال عمر: عليك بخصال الإيمان … فذكره.

<<  <   >  >>