للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَكْرَهُ ذلكَ في خلوتِهِ أشدَّ مِن كراهتِهِ لألمِ الضَّربِ.

ولهذا؛ أكثرُ المؤمنينَ لو ضُرِبَ على أنْ يُفْطِرَ في أشهرِ، رمضانَ لغيرِ عذرٍ لمْ يَفْعَلْ؛ لعلمِهِ بكراهةِ اللهِ لفطرِهِ في هذا الشَّهرِ، وهذا مِن علاماتِ الإيمانِ أنْ يَكْرَهَ المؤمنُ ما يُلائِمُهُ مِن شهواتِهِ إذا عَلِمَ أن الله يَكْرَهُهُ، فتَصيرُ لذَّتُهُ فيما يُرْضي مولاهُ وإنْ كانَ مخالفًا لهواهُ، ويَكونُ ألمُهُ فيما يَكْرَهُهُ مولاهُ وإنْ كانَ موافقًا لهواهُ.

وإذا كانَ هذا فيما حُرِّمَ لعارضِ الصَّومِ مِن الطعامِ والشَّرابِ ومباشرةِ النِّساءِ؛ فيَنْبَغي أنْ يَتَأكَّدَ ذلكَ فيما حُرِّمَ على الإطلاقِ كالزِّنى وشربِ الخمرِ وأخذِ الأموالِ أوِ الأعراضِ بغيرِ حقٍّ وسفكِ الدِّماءِ المحرَّمةِ؛ فإنَّ هذا يُسْخِطُ الله على كلِّ حالٍ وفي كلِّ زمانٍ ومكانٍ، فإذا كَمَلَ إيمانُ المؤمنِ (١)؛ كَرِهَ ذلكَ كلَّهُ أعظمَ مِن كراهتِهِ للقتلِ والضَّربِ.

ولهذا جَعَلَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مِن علاماتِ وجودِ حلاوةِ الإيمانِ: أنْ يَكْرَهَ أنْ يَرْجِعَ إلى الكفرِ بعدَ أنْ أنْقَذَهُ اللهُ كما يَكْرَهُ أنْ يُلْقى في النَّارِ (٢).

وقالَ يوسُفُ عليهِ السَّلامُ: {رَبِّ السِّجْنُ أحَبُّ إلَيَّ مِمَّا يَدْعونَني إلَيْهِ} [يوسف: ٣٣].

سُئِلَ ذو النُّونِ: متى أُحِبُّ ربِّي؟ قالَ: إذا كانَ ما يَكْرَهُهُ أمَرَّ عندَكَ مِن الصَّبرِ.

وقالَ غيرُهُ: ليسَ مِن أعلامِ المحبَّةِ أنْ تُحِبَّ ما يَكْرَهُهُ حبيبُكَ.

وكثيرٌ مِن النَّاسِ يَمْشي على العوائدِ دونَ ما يوجِبُهُ الإيمانُ ويَقْتَضيهِ، فلهذا كثيرٌ منهُم لو ضُرِبَ ما أفْطَرَ في رمضانَ لغيرِ عذرٍ، ومِن جهَّالِهِم مَن لا يُفْطِرُ لعذرٍ ولو تَضَرَّرَ بالصَّومِ - معَ أنَّ الله يُحِبُّ منهُ أنْ يَقْبَلَ رخصتَهُ - جريًا منهُ على العادةِ، وقدِ اعْتادَ معَ ذلكَ ما حَرَّمـ[ـهُ] اللهُ مِن شربِ الخمرِ والزِّنى وأخذِ الأموالِ والأعراضِ أوِ الدِّماءِ بغيرِ حقٍّ! فهذا يَجْري على عوائدهِ في ذلكَ كلِّهِ لا على مقتضى الإيمانِ، ومَن عَمِلَ بمقتضى


(١) في خ: "كمل الإيمان للمؤمن"، والأولى ما أثبتّه من م ون وط.
(٢) فيما رواه: البخاري (٢ - الإيمان، ٩ - حلاوة الإيمان، ١/ ٦٠/ ١٦)، ومسلم (١ - الإيمان، ١٥ - خصال من اتصف بهنّ، ١/ ٦٦/ ٤٣)؛ من حديث أنس.

<<  <   >  >>