للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِن قيامِهِ السَّهرُ" (١).

وسرُّ هذا أنَّ التَّقرُّبَ إلى اللهِ تَعالى بتركِ المباحاتِ لا يَكْمُلُ إلَّا بعدَ التَّقرُّبِ إليهِ بتركِ المحرَّماتِ، فمَنِ ارْتكبَ المحرَّماتِ ثمَّ تَقَرَّبَ بتركِ المباحاتِ؛ كانَ بمثابةِ مَن يَتْرُكُ الفرائضَ ويَتَقَرَّبُ بالنَّوافلِ، وإنْ كانَ صومُهُ مجزئًا عندَ الجمهورِ بحيثُ لا يُؤْمَرُ بإعادتِهِ؛ لأنَّ العملَ إنَّما يَبْطُلُ بارتكابِ ما نُهِيَ عنهُ فيهِ بخصوصِهِ دونَ ارتكابِ ما نُهِيَ عنهُ لغيرِ معنًى يَخْتَصُّ بهِ. هذا هوَ أصلُ جمهورِ العلماءِ.

وفي "مسند الإمام أحْمَد": أنَّ امرأتينِ صامَتا في عهدِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فكادَتا أنْ تَموتا مِن العطشِ، فذُكِرَ ذلكَ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فأعْرَضَ، ثمَّ ذُكِرَتا لهُ فدَعاهُما وأمَرَهُما أنْ يَتَقَيَّأا، فقاءَتا ملءَ قدحٍ قيحًا ودمًا وصديدًا ولحمًا عبيطًا. فقالَ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن هاتينِ صامَتا عمَّا أحَلَّ اللهُ لهُما، وأفْطَرَتا على ما حَرَّمَ اللهُ عليهِما، جَلَسَتْ إحداهُما إلى الأُخرى، فجَعَلَتا يَأْكُلانِ لحومَ النَّاسِ" (٢).


(١) (صحيح). رواه: ابن المبارك في "المسند" (٧٥)، وأحمد (٢/ ٣٧٣ و ٤٤١)، والدارمي (١/ ٣٠١)، وابن ماجه (٧ - الصيام، ٢١ - الغيبة والرفث للصائم، ١/ ٥٣٩/ ١٦٩٠)، والنسائي في "الكبرى" (٣٢٤٩ - ٣٢٥١ و ٣٣٣٣)، وأبو يعلى (٦٥٥١)، وابن خزيمة (١٩٩٧)، وابن حبّان (٣٤٨١)، والحاكم (١/ ٤٣١)، والقضاعي في "الشهاب" (١٤٢٥ و ١٤٢٦)، والبيهقي في "السنن" (٤/ ٢٧٠) و"الشعب" (٣٦٤٢)، والبغوي في "السنة" (١٧٤٧)؛ بعضهم من طريق أسامة بن زيد وبعضهم من طريق عمرو بن أبي عمرو، [عن سعيد المقبري]، [عن أبيه]، عن أبي هريرة … رفعه. قال البوصيري: "إسناده ضعيف"؛ يعني: سند ابن ماجه خصوصًا، فيه أُسامة بن زيد الليثي تكلّموا فيه وحديثه صالح في الشواهد على الأقلّ، وقد تابعه عمرو الثقة فخرج الحديث من عهدته. نعم؛ هاهنا خلاف في إثبات سعيد وإسقاطه إثبات أبيه وإسقاطه، ولا يضرّ، فكلاهما ثقة روى عن أبي هريرة، ولا يبعد أن سعيدًا حمله عن أبيه وعن أبي هريرة وحمله عمرو عن سعيد وعن أبيه. وكذلك رواه النسائيّ مرّة موقوفًا، والروايات المرفوعة أكثر وأصحّ. وقد صحّح الحديث ابن خزيمة وابن حبّان والألباني، وقال الحاكم: "على شرط البخاري"، وأقرّه المنذري والذهبي.
وله شاهد من حديث ابن عمر عند: ابن أبي حاتم في "العلل" (٣٥٤ و ٦٩٢)، والطبراني (١٢/ ٢٩٢ / ١٣٤١٣)، وابن عدي في "الكامل" (٦/ ٢٣٩٨)، والقضاعي في "المسند" (١٤٢٤)، والرافعي في "التدوين" (٣/ ٢٣٦)؛ بسند ضعّفه أبو حاتم وقوّاه الهيثمي.
(٢) (ضعيف). رواه: أحمد (٥/ ٤٣١)، والبخاري في "التاريخ" (٥/ ٤٤٠)، وابن أبي خيثمة (٢/ ٤٤٨ - إصابة)، وابن أبي الدنيا في "الصمت" (١٧١)، وأبو يعلى (١٥٧٦)، والحسن بن سفيان (٢/ ٤٠ - إصابة)، والروياني (٧٢٩)، وابن قانع (١/ ٢٥٧/ ٢٩٤)، وابن السكن (٢/ ٤٤٨ - إصابة)، وابن منده (٢/ ٤٤٨ - إصابة)، والبيهقي في "الدلائل" (٦/ ١٨٦)، والأصبهاني في "الترغيب" (٢٢١١)، وابن الأثير في =

<<  <   >  >>