للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سَوْرَةُ الشَّهوةِ والغضبِ، ولهذا جَعَلَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الصِّيامَ وِجاءً؛ لقطعِهِ عن شهوةِ النِّكاحِ.

* واعْلَمْ أنَّهُ لا يَتِمُّ التَّقرُّبُ إلى اللهِ تَعالى بتركِ هذهِ الشَّهواتِ المباحةِ في غيرِ حالةِ الصِّيامِ إلَّا بعدَ التَّقرُّبِ إليهِ بتركِ ما حَرَّمَـ[ـهُ] اللهُ في كل حالٍ مِن الكذبِ والظُّلمِ والعدوانِ على النَّاسِ في دمائِهِم وأموالِهِم وأعراضِهِم.

ولهذا قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "مَن لمْ يَدَعْ قولَ الزورِ والعملَ بهِ؛ فليسَ للهِ حاجةٌ في أنْ يَدَعَ طعامَهُ وشرابَهُ". خَرَّجَهُ البخاريُّ (١).

وفي حديثٍ آخرَ: "ليسَ الصِّيامُ مِن الطَّعامِ والشَّرابِ، إنَّما الصّيامُ مِن اللغوِ والرَّفثِ" (٢). قالَ الحافظُ أبو موسى المَدينِي: هوَ على شرطِ مسلمٍ.

[و] قالَ بعضُ السَّلفِ: أهونُ الصِّيامِ تركُ الشَّرابِ والطعامِ.

وقالَ جابِرٌ: إذا صُمْتَ؛ فلْيَصُمْ سمعُكَ وبصرُكَ ولسانُكَ عن الكذبِ والمحارمِ، ودع أذى الجارِ، ولْيَكُنْ عليكَ سكينةٌ ووقارٌ يومَ صومِكَ، ولا تَجْعَلْ يومَ صومِكَ ويومَ فطرِكَ سواء.

إذا لَمْ يَكُنْ في السَّمْعِ مِنِّي تَصاوُنٌ … وَفي بَصَري غَضٌّ وَفي مَنْطِقي صَمْتُ

فَحَظِّي إذًا مِنْ صَوْمِيَ الجوعُ وَالظَّما … فَإنْ قُلْتُ إنِّي صُمْتُ يَوْمِي فَما صُمْتُ

وقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ربَّ صائمٍ حظُّهُ مِن صيامِهِ (٣) الجوعُ والعطشُ، وربَّ قائمٍ حظُّهُ


(١) (٣٠ - الصوم، ٨ - من لم يدع قول الزور، ٤/ ١١٦/ ١٩٠٣).
(٢) (صحيح). رواه الحارث بن أبي ذباب واختلف عليه فيه على وجهين: روى الأوَّل منها: ابن خزيمة (١٩٩٦)، وابن حبّان (٣٤٧٩)، والحاكم (١/ ٤٣٠)، والبيهقي (٤/ ٢٧٠)، والخطيب في "الجمع والتفريق" (١/ ٨١)؛ من طريقين قويّتين، عن الحارث، عن عمّه، عن أبي هريرة … رفعه. قال الحاكم: "على شرط مسلم"، وأقرّه المنذري والذهبي. قلت: عمّ الحارث هو عبد الله بن المغيرة بن أبي ذباب، لم يرو عنه إلّا الحارث ولم يوثّقه إلّا ابن حبّان ولم يخرّج له مسلم! وروى الثاني: الخطيب في "الجمع والتفريق" (١/ ٨١)، والأصبهاني في "الترغيب" (١٧٤٧)؛ من طريقين قويّتين، عن الحارث، عن عطاء بن ميناء، عن أبي هريرة … رفعه. وهذا سند حسن.
وليس أحد الوجهين أولى من الآخر بالترجيح، فأولى الأقوال هاهنا قول الخطيب: "لعلّ الحديث عند الحارث عن عمّه وعن عطاء بن ميناء فيصحّ القولان معًا". قلت: ويصحّ الحديث أيضًا، ولا سيّما أنّ الشواهد لا تعوزه، وقد قوّاه ابن خزيمة وابن حبّان والحاكم والخطيب وأبو موسى المديني والمنذري والذهبي والألباني.
(٣) في خ: "من صومه"، وما أثبته من م ون وط أولى بلفظ "المسند".

<<  <   >  >>