للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المحبُّونَ يَغارونَ مِنِ اطِّلاعِ الأغيارِ على الأسرارِ التي بينَهُم وبينَ مَن يُحِبُّهُم ويُحِبُّونَهُ.

نَسيمَ صَبا نَجْدٍ مَتى جِئْتَ حامِلًا … تَحِيَّتَهُم فَأطْوِ الحَديثَ عَنِ الرَّكْبِ

وَلا تُذعِ السِّرَّ المَصونَ فَإنَّني … أغارُ عَلى ذِكْرِ الأحِبَّةِ مِنْ صَحْبي

• وقولُهُ "تَرَكَ شهوتَهُ وطعامَهُ وشرابَهُ مِن أجلي" فيهِ إشارة إلى المعنى الذي ذَكَرْناهُ، وأنَّ الصَّائمَ تَقَرَّبَ إلى اللهِ بتركِ ما تَشْتَهيهِ نفسُهُ مِن الطَّعامِ والشَّرابِ والنِّكاحِ، وهذهِ أعظمُ شهواتِ النَّفسِ.

* وفي التَّقرُّبِ بتركِ هذهِ الشَّهواتِ بالصِّيامِ فوائدُ:

منها: كسرُ النَّفسِ؛ فإنَّ الشِّبعَ والرِّيَّ ومباشرةَ النِّساءِ تَحْمِلُ النَّفسَ على الأشرِ والبطرِ والغفلةِ.

ومنها: تخلِّي القلبِ للفكرِ والذِّكرِ؛ فإنَّ تناول هذهِ الشَّهواتِ قد تُقَسِّي القلبَ وتُعْميهِ وتَحول بينَ العبدِ وبينَ الفكرِ والذِّكرِ وتَسْتَدْعي الغفلةَ. وخلوُّ الباطنِ مِن الطَّعامِ والشَّرابِ يُنَوِّرُ القلبَ ويوجِبُ رقَّتَهُ ويُزيلُ قسوتَهُ ويُخْليهِ للذِّكرِ والفكرِ.

ومنها: أنَّ الغنيَّ يَعْرِفُ قدرَ نعمةِ اللهِ عليهِ بإقدارِهِ لهُ على ما مَنَعَهُ كثيرًا مِن الفقراءِ مِن فضول الطَّعامِ والشَّرابِ والنِّكاحِ؛ فإنَّهُ بامتناعِهِ مِن ذلكَ في وقتٍ مخصوصٍ وحصول المشقَّةِ لهُ بذلكَ يَتَذَكَّرُ بهِ مَن مُنعَ مِن ذلكَ على الإطلاقِ، فيوجِبُ لهُ ذلكَ شكرَ نعمةِ اللهِ عليهِ بالغنى، ويَدْعوهُ إلى رحمةِ أخيهِ المحتاجِ ومواساتِهِ بما يُمْكِنُ مِن ذلكَ.

ومنها: أن الصِّيامَ يُضَيِّقُ مجاريَ الدَّمِ التي هيَ مجاري الشَّيطانِ منِ ابن آدَمَ؛ فإنَّ الشَّيطانَ يَجْري مِنِ آبنِ آدَمَ مجرى الدَّمِ، فتَسْكُنُ بالصِّيامِ وساوسُ الشَّيطانِ، وتَنْكَسِرُ


= المذكور لم يفعل شيئًا من ذلك بل جزع واضطرب واستحوذ عليه الشيطان فجعله يتمنّى الموت مخالفًا لوصيّة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فهذه واحدة. وإذا اطّلع بعض الخلق على شيء من حال الصادق مع ربّه؛ فالأصل فيه أن يستر ما خفي عنهم من أحواله، وهذا فضح سائر أحواله بقوله: "لمّا كانت المعاملة بيني وبينه سرًّا"! فكان كالذي قيل فيه: ما أحسن صلاة هذا الرجل! فلمّا سلّم قال للمستحسِن: إنّي صائم أيضًا! فتأمّل هذه القصص التي تساق على أنّها من كرامات القوم، فإذا أنعم الباحث عن الحقّ فيها نظره؛ رآها جهالات ومخالفات.

<<  <   >  >>