للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الرُّؤيا إلَّا جمعتينِ حتَّى تُوُفِّيَ، فرَآهُ ليلةَ وفاتِهِ في المنامِ بعضُ أصحابِهِ الذينَ حَدَّثَهُم برؤياهُ وهوَ يَقولُ: ألا تَعْجَبُ مِن شجرٍ غُرِسَ لي في يومِ حَدَّثْتُكَ وقد حَمَلَ؟! فقالَ لهُ: ما حَمَلَ؟! قالَ: لا تَسْألْ، لا يَقْدِرُ أحدٌ على صفتِهِ. لمْ يُرَ مثلُ الكريمِ إذا حَلَّ بهِ مطيعٌ.

يا قومِ! ألا خاطبٌ في هذا الشَّهرِ إلى الرَّحمن؟! ألا راغبٌ فيما أعَدَّهُ اللهُ تَعالى للطَّائعينَ في الجنان؟! ألا طالبٌ لِما أخْبَرَ بهِ مِن النَّعيمِ المقيمِ معَ أنَّهُ ليسَ الخبرُ كالعيان؟

مَن يُرِدْ مُلْكَ الجِنانِ … فَلْيَدَعْ عَنْهُ التَّواني

وَلْيَقُمْ في ظُلْمَةِ اللَيْـ … ـلِ إلى نورِ القُرانِ

وَلْيَصِلْ صَوْمًا بِصوْمٍ … إنَّ هذا العَيْشَ فاني

إنَّما العَيْشُ جِوارُ الـ … ـلهِ في دارِ الأمانِ

* الطَّبقةُ الثَّانيةُ مِن الصَّائمينَ: مَن يَصومُ في الدُّنيا عمَّا سِوى اللهِ، فيَحْفَظُ الرَّأْسَ وما حَوى، ويَحْفَظُ البطنَ وما وَعى، ويَذْكُرُ الموتَ والبِلى، ويُريدُ الآخرةَ فيَتْرُكُ زينةَ الدُّنيا. فهذا عيدُ فطرِهِ يومَ لقاءِ ربِّهِ وفرحِهِ برؤيتِهِ.

أهْلُ الخُصوصِ مِنَ الصُّوَّامِ صَوْمُهُمُ … صَوْنُ اللِسانِ عَنِ البُهْتانِ وَالكَذِبِ

وَالعارِفونَ وَأهْلُ الأُنْسِ صَوْمُهُمُ … صَوْنُ القُلوبِ عَنِ الأغْيارِ وَالحُجُبِ

العارفونَ لا يُسَلِّيهِم عن رؤيةِ مولاهُم قصرٌ، ولا يُرَوِّيهِم دونَ مشاهدتِهِ نهرٌ، هممُهُم أجلُّ مِن ذلكَ.

كَبُرَتْ هِمَّةُ عَبْدٍ … طَمِعَتْ في أنْ تَراكَ

مَنْ يَصُمْ عَنْ مُفْطِراتٍ … فَصِيامي عَنْ سِواكَ

مَن صامَ عن شهواتِهِ في الدنيا؛ أدْرَكَها غدًا في الجنَّةِ. ومَن صامَ عمَّا سِوى اللهِ؛ فعيدُهُ يومَ لقائِهِ.

{مَنْ كانَ يَرْجو لِقاءَ اللهِ فَإنَّ أجَلَ اللهِ لَاتٍ} [العنكبوت: ٥].

وَقَدْ صُمْتُ عَنْ لَذَّاتِ دَهْرِيَ كُلِّها … وَيَوْمَ لِقاكُمْ ذاكَ فِطْرُ صِيامي

رُئِيَ بِشْرٌ في المنامِ، فسُئِلَ عن حالِهِ، فقالَ: عَلِمَ قلَّةَ رغبتي في الطَّعامِ فأباحَني

<<  <   >  >>