للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النَّظرَ إليهِ (١).

وقيلَ لبعضِهِم: أينَ نَطْلُبُكَ في الآخرةِ؟ قالَ: في زمرةِ الناظرينَ إلى اللهِ. قيلَ لهُ: كيفَ عَلِمْتَ ذلكَ؟ قالَ: بغضِّي طرفيَ لهُ عن كلِّ محرَّمٍ، وباجتنابي فيهِ كلَّ منكرٍ ومأْثم، وقد سَألْتُهُ أنْ يَجْعَلَ جنَّتي النَّظرَ إليهِ.

يا حَبِيبَ القُلوبِ مَنْ لي سِواكا … إرْحَمِ اليَوْمَ مُذْنِبًا قَدْ أتاكا

لَيْسَ لي في الجِنانِ مَوْلايَ إرْبٌ … غَيْرَ أنِّي أُريدُها لِأراكا (٢)

يا معشرَ الصَّائمينَ! صوموا اليومَ عن شهواتِ الهوى، لِتُدْرِكوا عيدَ الفطرِ يومَ اللقاءِ، لا يَطولَنَّ عليكُمُ الأمدُ باستبطاءِ الأجلِ؛ فإنَّ معظمَ نهارِ الصِّيامِ قد ذَهَب وعيدُ اللقاءِ قدِ اقْتَرَب.

إنَّ يَوْمًا جامِعًا شَمْلي بِهِمْ … ذاكَ عِيدي لَيْسَ لي عِيدٌ سِواهُ

• قولُهُ: "ولَخُلوفُ فمِ الصَّائمِ أطيبُ عندَ اللهِ مِن ريحِ المسكِ": خُلوفُ الفمِ: رائحةُ ما يَتَصاعَدُ منهُ مِن الأبخرةِ؛ لخلوِّ المعدةِ مِن الطَّعامِ بالصِّيامِ. وهيَ رائحةٌ مستكرهةٌ في مشامِّ النَّاسِ في الدُّنيا، لكنَّها طيِّبة عندَ اللهِ حيثُ كانَتْ ناشئةً عن طاعتِهِ وابتغاءَ مرضاتِهِ، كما أن دمَ الشَّهيدِ يَجيءُ يومَ القيامةِ يَثْعَبُ دمًا؛ لونُهُ لونُ الدَّمِ، وريحُهُ ريحُ المسكِ.


(١) تقدّم (ص ٣٧٢) أنّ هناك من رآه يأكل ويقال له: كل يا من كنت لا تأكل! فأيّهما نصدّق؟! أفكلّما رأى مصطلم مهلوس شيخه في صورة تمسّكنا بها وتناقلناها؟!
(٢) في خ: "في الجنان أحسن رأي"، وفي م: "في الجنان رأي ولكن"، وفي ن: "في الجنان غرام"، وفي حاشية ن: "لعلّه وطر". وأثبتّ ما في ط لأنه أولاها بالصواب.
هذا؛ ولا يخلو هذا المذهب من نظر شرعًا وعقلًا: فأمّا شرعًا؛ فلأنّه محدث مخالف لمعاني الكتاب والسنّة ومذاهب الصحابة وتابعيهم بإحسان. وأمّا عقلًا؛ فلأنّ العبد الحقيقيّ لا يشترط على مولاه ولا يردّ هداياه، والمحب الحقيقيّ يفرح أشدّ الفرح بكلّ ما وصله من محبوبه ولو كان كلمة في هاتف أو زهرة أو لقمة؛ فكيف إذا كان جنّة عرضها السماوات والأرض؟! والمذنب المعرف جلّ مطلوبه المسامحة والمغفرة؛ فأين هو من المشارطة؟! أوليس من الجحود أن يقول عبد حقير منغمس في الظلم والآثام لمولاه الكريم الرحيم الحليم: لا حاجة لي بعطاياك هذه كلّها؟! كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلَّا كذبا! نعم؛ لا ريب أن رؤية المولى سبحانه هي أعلى درجات نعيم الجنّة، نسأل الله ألّا يحرمنا إيّاها.

<<  <   >  >>