للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا اسْتَدَلَّ مَن كَرِهَ السَّواكَ للصَّائمِ أو لمْ يَسْتَحِبَّهُ مِن العلماءِ. وأوَّلُ مَن عَلِمْناهُ اسْتَدَلَّ بذلكَ عطاءُ بنُ أبي رَباحٍ. ورُوِيَ عن أبي هُرَيْرَةَ أنَّهُ اسْتَدَلَّ بهِ، لكنْ مِن وجهٍ لا يَثْبُتُ. وفي المسألةِ اختلافٌ مشهورٌ بينَ العلماءِ. وإنَّما كَرِهَهُ مَن كَرِهَهُ في آخرِ نهارِ الصَّومِ؛ لأنَّهُ وقتُ خلوِّ المعدةِ وتصاعدِ الأبخرةِ. وهل يَدْخُلُ وقتُ الكراهةِ بصلاةِ العصرِ أو بزوالِ الشَّمسِ أو بفعلِ صلاةِ الظُّهرِ في أوَّلِ وقتِها، على أقوالٍ ثلاثةٍ، والثَّالثُ هوَ المنصوصُ عن أحْمَدَ (١).

• وفي طيبِ ريحِ خُلوفِ فمِ الصَّائمِ عندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ معنيانِ:

* أحدُهُما: أن الصِّيامَ لمَّا كانَ سرًّا بينَ العبدِ وربِّهِ في الدُّنيا؛ أظْهَرَهُ اللهُ في الآخرةِ علانيةً للخلقِ؛ لِيَشْتَهِرَ بذلكَ أهلُ الصِّيامِ ويُعْرَفوا بصيامِهِم بينَ النَّاسِ جزاءً لإخفائِهِم صيامَهُم في الدُّنيا.

ورَوى أبو الشَّيخِ الأصبَهانِيُّ بإسنادٍ فيهِ ضعفٌ عن أنَسٍ مرفوعًا: "يَخْرُجُ الصَّائمونَ مِن قبورِهِم يُعْرَفونَ بريحِ أفواهِهِم، أفواهُهُم أطيبُ مِن ريحِ المسكِ" (٢).

قالَ مَكْحولٌ: يُرَوَّحُ أهلُ الجنَّةِ برائحةٍ. فيَقولونَ: ربَّنا! ما وَجَدْنا ريحًا منذُ دَخَلْنا الجنَّةَ أطيبَ مِن هذهِ الرِّيحِ. فيُقالُ: هذهِ ريحُ أفواهِ الصَّائمينَ.

وقد تَفوحُ رائحةُ الصِّيامِ في الدُّنيا فتُسْتَنْشَقُ قبلَ الآخرةِ، وهوَ نوعانِ:


(١) الاستدلال لكراهة السواك للصائم في وقت ما بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك" فيه نظر من وجوه: أوَّلها: أنّه لو كان استدلالًا صحيحًا لسبق إليه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الكرام أسبق الخلق إلى كلّ خير، ولكنهم لم يفعلوا، بل ثبت عن عمر وابن عمر وغيرهما خلافه. والثاني: أنّ السواك لا يزيل خلوف فم الصائم مهما تكرّر، وإنَّما يزيل روائح القلح وجفاف اللعاب وتفسّخ فضلات الطعام بين الأضراس، وتبقى خلوف فم الصائم ورائحة صيامه تنبعث من فمه وجوفه كما هو مشهود. والثالث: أنّ الله تعالى يحبّ أيضا أن يقبل الناس على الصلاة في رمضان ويتراصّوا فيها ويتآلفوا ولا يؤذي بعضهم بعضًا بالروائح المنفّرة، وهذا لا يحصل بغير السواك الذي يزيل الأذيّة ويبقي الخلوف التي يحبّها الله. وعليه؛ فاستحباب السواك في كلّ حال والحضّ عليه عند كلّ وضوء باق على عمومه للصائم وغيره في رمضان وغيره قبل الزوال وبعده، وإلى هذا مال جماعة كثر من أهل العلم، يحضرني الآن منهم عمر وابنه وابن عبّاس وأبو هريرة وعروة بن الزبير والشعبي والنخعي والإمام أحمد والبخاري وابن تيميّة وابن القيّم. والله أعلى وأعلم.
(٢) (ضعيف). رواه أبو الشيخ في "الثواب" ولم أقف عليه فحسبي فيه شهادة ابن رجب بضعفه.

<<  <   >  >>