للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رمضانَ -؛ خَرَجَ إلى حراءَ كما كانَ يَخْرُجُ لجوارِهِ معَهُ أهلُهُ، حتَّى إذا كانَتِ الليلةُ التي أكْرَمَهُ اللهُ برسالتِهِ ورَحِمَ العبادَ بها؛ جاءَهُ جبريلُ مِن اللهِ عَزَّ وجَلَّ (١).

ثمَّ كانَ بعدَ الرِّسالةِ جودُهُ في رمضانَ أضعافُ ما كانَ قبلَ ذلكَ؛ فإنَّهُ كانَ يَلْتَقي هوَ وجبريلُ عليهِ السَّلامُ، وهوَ أفضلُ الملائكةِ وأكرمُهُم، ويُدارِسُهُ الكتابَ الذي جاءَ بهِ إليهِ، وهوَ أشرفُ الكتبِ وأفضلُها، وهوَ يَحُثُّ على الإحسانِ ومكارمِ الأخلاقِ.

وقد كانَ - صلى الله عليه وسلم - هذا الكتابُ لهُ خلُقًا بحيثُ: يَرْضى لرضاهُ، ويَسْخَطُ لسخطِهِ، ويُسارِعُ إلى ما حَثَّ عليهِ، ويَمْتَنِعُ ممَّا زَجَرَ عنهُ. فلهذا كانَ يَتَضاعَفُ جودُهُ وإفضالُهُ في هذا الشَّهرِ؛ لقربِ عهدِهِ بمخالطةِ جِبْريلَ عليهِ السَّلامُ، وكثرةِ مدارستِهِ لهُ هذا الكتابَ الكريمَ الذي يَحُثُّ على المكارمِ والجودِ. ولا شكَّ أن المخالطةَ تُؤَثِّرُ وتُورِثُ أخلاقًا مِن المخالطِ.

كانَ بعضُ الشُّعراءِ قدِ امْتَدَحَ ملكًا جوادًا، فأعْطاهُ جائزةً سنيَّةً، فخَرَجَ بها مِن عندِهِ وفَرَّقَها كلَّها على النَّاسِ، وأنْشَدَ:

لَمَسْتُ بِكَفِّي كَفَّهُ أبْتَغي الغِنى … وَلَمْ أدْرِ أنَّ الجودَ مِن كَفِّهِ يُعْدي

فبَلَغَ ذلكَ الملكَ فأضْعَفَ لهُ الجائزةَ.

وقد قال بعضُ الشُّعراءِ يَمْدَحُ بعضَ الأجوادِ - ولا يَصْلُحُ أنْ يَكونَ ذلكَ إلَّا لرسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - -:

تَعَوَّدَ بَسْطَ الكَفِّ حَتَّى لَوَ انَّهُ … ثَناها لِقَبْضٍ لَمْ تُطِعْهُ أنامِلُهْ


(١) (منكر بهذه السياق). رواه: ابن إسحاق (١٠/ ٤٢٥ - فتح)، وعنه ابن هشام في "السيرة" (١/ ٢٥٣)، والطبري في "التاريخ" (١/ ٥٣٢)، والعسقلاني في "تغليق التعليق" (٥/ ٨٩)؛ من طريق ابن إسحاق، ثني وهب بن كيسان مولى آل الزبير، سمعت عبد الله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير: حدثنا كيف كان ما ابتدئ به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الوحي … فذكره في سياق مطوّل جدًّا.
وهذا ضعيف لأمور: أوّلها: أنّه مرسل. الثاني: أنّه مطوّل جدًّا بصورة ترجّح أنّ راويه جمعه وصاغه ممّا سمع من عدد غير قليل من الصحابة وغيرهم، وهذا مألوف جدًّا من أمثال عبيد بن عمير؛ فإنّه كان يرحمه الله قاصًّا، بل كان سيّد القصّاص وأصدقهم، وكان الصحابة يستمعون إلى قصصه. الثالث: أنّه مخالف لما رواه البخاري ومسلم بأصح الأسانيد عن عائشة رضي الله عنها من وجوه كثيرة: منها قوله هنا: "معه أهله"، وسياق الشيخين ظاهر في أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج وحده من وجوه، ومنها أنّه جعل الوحي منامًا … وغير ذلك.

<<  <   >  >>