للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وخَرَّجَ البُخارِيُّ (١) مِن حديثِ سَهْلِ بن سَعْدٍ؛ أن شَمْلَةً أهْدِيَتْ للنَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلَبِسَها وهوَ محتاجٌ إليها، فسَألَهُ إيَّاها رجلٌ فأعْطاهُ، فلامَهُ النَّاسُ وقالوا: كانَ محتاجًا إليها، وقد عَلِمْتَ أنَّهُ لا يَرُدُّ سائلًا! فقالَ: إنَّما سَألْتُها لِتكونَ كفني. فكانَتْ كفنَهُ.

• وكانَ جودُهُ - صلى الله عليه وسلم - كلُّه للهِ وفي ابتغاءِ مرضاتِهِ؛ فإنَّهُ كانَ يَبْذُلُ المالَ إمَّا لفقيرٍ أو محتاجٍ، أو يُنْفِقُهُ في سبيلِ اللهِ، أو يَتَألَّفُ بهِ على الإسلامِ مَن يَقْوى الإسلامُ بإسلامِهِ.

وكانَ يُؤْثِرُ على نفسِهِ وأهلِهِ وأولادِهِ، فيُعْطي عطاءً يَعْجِزُ عنهُ الملوكُ مثلُ كسرى وقيصرَ ويَعيشُ في نفسِهِ عيشَ الفقراءِ، فيَأْتي عليهِ الشَّهرُ والشَّهرانِ لا يُوقَدُ في بيتِهِ نارٌ، وربَّما رَبَطَ على بطنِهِ الحجرَ مِن الجوعِ.

وكانَ قد أتاهُ - صلى الله عليه وسلم - سبيٌ مرَّةً، فشَكَتْ إليهِ فاطِمَةُ ما تَلْقى مِن خدمةِ البيتِ، وطَلَبَتْ منهُ خادمًا يَكْفِيها مؤونةَ بيتِهاِ، فأمَرَها أنْ تَسْتَعينَ بالتَّسبيحِ والتَّكبيرِ والتَّحميدِ عندَ نومِها، وقالَ: "لا أُعْطيكِ وأدَعُ أهلَ الصُّفَّةِ تُطْوى بطونُهُم مِن الجوعِ" (٢).

وكانَ جودُهُ - صلى الله عليه وسلم - يَتَضاعَفُ في شهرِ رمضانَ على غيرِهِ مِن الشُّهورِ كما أن جودَ ربِّهِ يَتَضاعَفُ فيهِ أيضًا؛ فإنَّ الله جَبَلَهُ على ما يُحِبُّهُ مِن الأخلاقِ الكريمةِ، وكانَ على ذلكَ مِن قبلِ البعثةِ.

ذَكَرَ ابنُ إسْحاقَ عن: وَهْبِ بن كَيْسانَ، عن عُبَيْدِ بن عُمَيْرٍ، قالَ: كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يُجاوِرُ في حراءَ مِن كلِّ سنةٍ شهرًا يُطْعِمُ مَن جاءَهُ مِن المساكينِ، حتَّى إذا كانَ الشَّهرُ الذي أرادَ اللهُ [بهِ] ما أرادَ مِن كرامتِهِ مِن السَّنةِ التي بَعَثَهُ اللهُ فيها - وذلكَ الشَّهرُ شهرُ


(١) (٢٣ - الجنائز، ٢٨ - من استعدّ الكفن، ٣/ ١٤٣/ ١٢٧٧).
(٢) (صحيح). رواه: الحميدي (٤٤)، وابن أبي شيبة (٢٩٢٥٤)، وابن سعد (٨/ ٢٥)، وأحمد (١/ ٧٩ و ١٠٦)، وابن ماجه (٣٧ - الزهد، ١١ - ضجاع آل محمّد، ٢/ ١٣٩٠/ ٤١٥٢)، والبزّار (٧٥٧)؛ من طريق عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عليّ … رفعه.
وعطاء بن السائب اختلط، لكن في الرواة عنه هنا ابن عيينة، وهو ممّن روى عنه قبل اختلاطه، والسائب أبوه صحابي صغير، فالسند صحيح.
وأصل الحديث عند: البخاري (٣١١٣)، ومسلم (٢٧٢٧)؛ من غير هذه الطريق ودون هذه الزيادة.

<<  <   >  >>