للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي حديثِ مُعاذٍ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "الصَّدقةُ تُطْفِئ الخطيئةَ كما يُطْفِئ الماءُ النَّارَ، وقيامُ الرَّجلِ مِن جوفِ (١) الليلِ" (٢)؛ يَعْني أنَّهُ يُطْفِئ الخطيئةَ أيضًا.

وقد صَرَّحَ بذلكَ في روايةِ الإمامِ أحْمَدَ.

وفي الصَّحيحِ عنهُ - صلى الله عليه وسلم -، أنَّهُ قالَ: "اتَّقوا النَّارَ ولو بشقِّ تمرةٍ" (٣).

وكانَ أبو الدَّرداءِ يَقولُ: صَلُّوا في ظلمةِ الليلِ ركعتينِ لظلمةِ القبور، صوموا يومًا شديدًا حرُّهُ لحرِّ يومِ النُّشور، تَصَدَّقوا بصدقةٍ لشرِّ يومٍ عسير.

* ومنها: أن الصِّيامَ لا بدَّ أنْ يَقَعَ فيهِ خللٌ ونقصٌ، وتكفيرُ الصِّيامِ للذنوبِ مشروطٌ بالتَّحفُّظِ ممَّا يَنْبَغي التَّحفُّظُ منهُ، كما وَرَدَ ذلكَ في حديثٍ خَرَّجَهُ ابنُ حِبَّانَ في "صحيحه"، وعامَّةُ صيامِ النَّاسِ لا يَجْتَمعُ في صومِهِ التَّحفُّظُ كما يَنْبَغي، ولهذا نُهِيَ أنْ يَقولَ الرَّجلُ: صُمْتُ رمضانَ كلَّهُ أو قمتُهُ كلَّهُ. فالصَّدقةُ تَجْبُرُ ما فيهِ مِن النَّقصِ والخللِ، ولهذا وَجَبَ في آخرِ شهرِ رمضانَ زكاةُ الفطرِ طهرةً للصَّائمِ مِن اللغوِ والرَّفثِ.

والصِّيامُ والصَّدقةُ لهُما مدخلٌ في كفاراتِ الأيمانِ ومحظوراتِ الإحرامِ وكفَّارةِ الوطءِ في رمضانَ. ولهذا كانَ اللهُ تَعالى قد خَيَّرَ المسلمينَ في ابتداءِ الأمرِ بينَ الصِّيامِ وإطعامِ المسكينِ، ثمَّ نُسِخَ ذلكَ وبَقِيَ الإطعامُ لمَن يَعْجِزُ عن الصِّيامِ لكبرِهِ. ومَن أخَّرَ قضاءَ رمضانَ حتَّى أدْرَكَهُ رمضانٌ آخر (٤)، فإنَّهُ يَقْضيهِ ويَضُمُّ إليهِ إطعامَ مسكينٍ لكلِّ يومٍ؛ تقويةً لهُ عندَ أكثرِ العلماءِ، كما أفْتى بهِ الصَّحابةُ. وكذلكَ مَن أفْطَرَ لأجلِ غيرِهِ - كالحاملِ والمرضعِ - على قولِ طائفةٍ مِن العلماءِ (٥).


= وله طريق أُخرى رواها: البزّار (٦/ ٣٠٩/ ٢٣٢١)، والطبراني (٩/ ٥٨/ ٨٣٨٦)، عن عنبسة بن رائطة، عن الحسن، عن عثمان … رفعه. وعنبسة صالح في الشواهد، والحسن عنعن على تدليسه، فهذه الطريق صالحة لتقوية الطريق الأولى.
(١) في خ: "وقيام الرجل في جوف"، وما أثبتّه من م ون وط أولى بمصادر التخريج.
(٢) (صحيح). قطعة من حديث طويل لمعاذ تقدّم تفصيل القول فيه (ص ١٠٠).
(٣) رواه: البخاري (٢٤ - الزكاة، ٩ - الصدقة قبل الردّ، ٣/ ٢٨١/ ١٤١٣)، ومسلم (١٢ - الزكاة، ٢٠ - الحثّ على الصدقة، ٢/ ٧٠٣/ ١٠١٦)؛ من حديث عديّ بن حاتم.
(٤) في خ: "طهرة للصيام من اللغو … رمضان إلى رمضان آخر"، والأولى ما أثبتّه من م ون وط.
(٥) تقدّم تفصيل القول في هذا وما فيه (ص ٣١٩).

<<  <   >  >>