للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بالليلِ. قالَ: وجاءَ رجلٌ إلى سلْمانَ الفارِسيِّ فقالَ: إنِّي لا أسْتَطيعُ قيامَ الليلِ. قالَ لهُ: فلا تَعْجِزْ بالنَّهارِ. قالَ قَتادَةُ: فَأدُّوا إلى اللهِ مِن أعمالِكُم خيرًا (١) في هذا الليلِ والنَّهارِ؛ فإنَّهُما مَطِيَّتانِ تُقْحِمانِ النَّاسَ إلى آجالِهِم، تُقَرِّبانِ كلَّ بعيدِ، وتُبْلِيانِ كلَّ جديدٍ، وتَجيئانِ بكلِّ موعودٍ، إلى يومِ القيامةِ.

• وقدِ اسْتَخَرْتُ الله تَعالى في أنْ أجْمَعَ في هذا الكتابِ وظائفَ شهورِ العام، وما يَخْتَصُّ بالشُّهورِ ومواسمِها مِن الطَّاعاتِ كالصَّلاةِ والصَّيام، والذِّكرِ والشُّكرِ وبَذْلِ الطَّعامِ وإفشاءِ السَّلام … وغيرِ ذلكَ مِن خصالِ البَرَرَةِ الكرام: لِيَكونَ ذلكَ عونًا لنفسي ولإخواني على التَّزوُّدِ للمعاد، والتَّأهُّبِ للموتِ قبلَ قدومِهِ والاستعداد، وأُفَوِّضُ أمري إلى اللهِ إنَّ الله بصيرٌ بالعباد. ويَكونَ أيضًا صالحًا لِمَن يُريدُ الانتصابَ للمواعظِ مِن المذكِّرين؛ فإنَّ مِن أفضلِ الأعمالِ عندَ اللهِ لِمَن أرادَ بهِ وجهَ اللهِ إيقاظَ الرَّاقدينَ وتنبيهَ الغافلين: قالَ اللهُ تَعالى: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: ٥٥]، ووَعَدَ مَن أمَرَ بصدقةٍ أو معروفِ يَبْتَغي بهِ وجهَهُ أجرًا عظيما، وأخْبَرَ نبيُّهُ - صلى الله عليه وسلم - أن "مَن دَعا إلى هدًى؛ فلهُ مثلُ أجرِ مَن تَبِعَهُ" (٢) وكَفى بذلكَ فضلًا عميما.

وقد جَعَلْتُ هذهِ الوظائفَ المتعلِّقةَ بالشُّهورِ مجالسَ مجالسَ، مرتَّبةً على ترتيبِ شهورِ السَّنةِ الهلاليَّةِ، فأبْدَأ بالمُحَرَّمِ وأخْتِمُ بذي الحِجَّةِ، وأذْكُرُ في كلِّ شهرٍ ما فيهِ مِن هذهِ الوظائفِ، وما لم يَكُنْ لهُ وظيفةٌ خاصَّةٌ لمْ أذْكُرْ فيهِ شيئًا. وخَتَمْتُ ذلكَ كلَّهُ بوظائفِ فصولِ السَّنةِ الشَّمسيَّةِ، وهيَ ثلاثةُ مجالِسَ في ذكرِ الرَّبيعِ والشِّتاءِ والصَّيفِ. وخَتَمْتُ الكتابَ كلَّهُ بمجلسٍ في التَّوبةِ والمبادرةِ بها قبلَ انقضاءِ العمرِ؛ فإنَّ التَّوبةَ وظيفةُ العمرِ كلِّهِ. وأبْدَأُ قبلَ ذكرِ وظائفِ الشُّهورِ بمجلسٍ في فضلِ التَّذكيرِ باللهِ يَتَضَمَّنُ ذِكْرَ بعضِ ما في مجالسِ التَّذكيرِ مِن الفضلِ. وسمَّيْتُهُ "لطائف المعارف فيما لمواسم العام من الوظائف".

واللهُ المسؤولُ أنْ يَجْعَلَهُ خالصًا لوجهِهِ الكريم، ومقرِّبًا إليهِ وإلى دارِهِ دارِ السَّلامِ


(١) كذا في خ وط! وفي "الدر المنثور" (الفرقان ٦٢): "فأروا الله من أعمالكم خيرًا"، وهو أجود.
(٢) رواه مسلم (٤٧ - العلم، ٦ - من سنّ سنّة حسنة، ٤/ ٢٠٦٠/ ٢٦٧٤) من حديث أبي هريرة.

<<  <   >  >>