للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعن عُمَرَ بن ذَرٍّ؛ أنَّهُ كانَ يَقولُ: اعْمَلوا لأنفسِكُم رَحِمَكُمُ اللهُ في هذا الليلِ وسوادِهِ؛ فإنَّ المغبونَ مَن غُبِنَ خيرَ الليلِ والنَّهارِ والمحرومَ مَن حُرِمَ خيرَهُما، إنَّما جُعِلا سبيلًا للمؤمنينَ إلى طاعةِ ربِّهِم ووبالًا على الآخرينَ للغفلةِ عن أنفسِهِم، فأحْيُوا للهِ أنفسَكُم بذكرِهِ؛ فإنَّما تَحْيا القلوبُ بذكرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ. كم مِن قائمٍ للهِ في هذا الليلِ قدِ اغْتبَطَ بقيامِهِ في ظلمةِ حفرتِهِ! وكم مِن نائمٍ في هذا الليلِ قد نَدِمَ على طولِ نومِهِ عندَما يَرى مِن كرامةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ للعابدينَ غدًا! فاغْتَنِموا ممرَّ السَّاعاتِ والليالي والأيَّامِ رَحِمَكُمُ اللهُ.

وعن داوودَ الطَّائِيِّ أنَّهُ قالَ: إنَّما الليلُ والنَّهارُ مراحلُ، يَنْزِلُها النَّاسُ مرحلةً مرحلةً، حتَّى يَنْتَهِيَ بهِم ذلكَ إلى آخرِ سفرِهِم، فإنِ اسْتَطَعْتَ أنْ تُقَدِّمَ في كلِّ مرحلةٍ زادًا لِما بينَ يديها؛ فافْعَلْ؛ فإنَّ انقطاعَ السَّفرِ عن قريبٍ ما هوَ، والأمرُ أعجلُ مِن ذلك، فتَزَوَّدْ لسفرِك، واقْضِ ما أنتَ قاضٍ مِن أمرِك، فكأنَّكَ بالأمرِ قد بَغَتَك.

قالَ ابنُ أبي الدُّنْيا: وأنْشَدَنا مَحْمودُ بنُ الحَسَنِ (١):

مَضى أمْسُكَ الماضي شَهيدًا مُعَدَّلًا … وأعْقَبَهُ يَوْمٌ عَلَيْكَ جَديدُ

فَإنْ كُنْتَ بِالأمْسِ اقْتَرَفْتَ إساءَةً … فَثَنِّ بِإحْسانٍ وَأنْتَ حَميدُ

فَيَوْمُكَ إنْ أعْتَبْتَهُ عادَ نَفْعُهُ … عَلَيْكَ وَماضي الأمْسِ لَيْسَ يَعودُ (٢)

فَلا تُرْجِ فِعْلَ الخَيْرِ يَوْمًا إلى غَدٍ … لَعَلَّ غَدًا يَأْتي وَأنْتَ فَقيدُ

وفي "تفسير عَبْدِ بن حُمَيْدٍ" وغيرِهِ مِن التَّفاسيرِ المسندةِ: عن الحَسَنِ، في قولِ اللهِ تَعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا} [الفرقان: ٦٢]، قالَ: مَن عَجَزَ بالليلِ؛ كانَ لهُ مِن أوَّلِ النَّهارِ مُسْتَعْتَبٌ، ومَن عَجَزَ بالنَّهارِ؛ كانَ لهُ مِن الليلِ مُسْتَعْتَبٌ.

وعن قَتادَةَ: إنَّ المؤمنَ قد يَنْسى بالليلِ ويَذْكُرُ بالنَّهارِ ويَنْسى بالنَّهارِ ويَذْكُرُ


(١) في خ: "محمود بن الحسين"! وهو تحريف صوابه ما أثبتّه، وهو شاعر من أهل المواعظ روى عنه ابن أبي الدنيا. ترجمته في "أعلام النبلاء" (١١/ ٤٦١).
(٢) إن أعتبته: إن أزلت عتبه ولم تقصّر في أداء ما له من الحقوق؛ عاد نفع ذلك عليك.

<<  <   >  >>