للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• كانَتْ مجالسُ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - معَ أصحابِهِ عامَّتُها مجالسَ تذكيرٍ باللهِ وترغيبٍ وترهيبٍ: إمَّا بتلاوةِ القرآنِ، أو بما آتاهُ اللهُ مِن الحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ وتعليمِ ما يَنْفَعُ في الدِّينِ. كما أمَرَهُ اللهُ تَعالى في كتابهِ أنْ يُذَكِّرَ ويَعِظَ ويَقُصَّ، وأنْ يَدْعُوَ إلى سبيلِ ربِّهِ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ، وأنْ يُبَشِّرَ ويُنْذِرَ.

وسَمَّاهُ اللهُ مبشِّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى اللهِ. والتَّبشيرُ والإنذارُ هوَ التَّرغيبُ والتَّرهيبُ، فلذلكَ كانَتْ تلكَ المجالسُ تُوجِبُ لأصحابِهِ - كما ذَكَرَ أبو هُرَيْرَةَ في هذا الحديثِ - رقَّةَ القلوبِ؛ والزُّهدَ في الدُّنيا والرَّغبةَ في الآخرةِ.

* فأمَّا رقَّةُ القلوبِ؛ فتَنْشَأُ عن الذِّكْرِ؛ فإنَّ ذكرَ اللهِ يوجِبُ خشوعَ القلبِ وصلاحَهُ ورقَّتَهُ ويَذْهَبُ [بـ]ـــالغفلةِ عنهُ:

قالَ تَعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: ٢٨].

وقالَ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} [الأنفال: ٢].

وَقالَ: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ. الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ} [الحجّ: ٣٥ - ٣٤].

وقالَ: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا


= "الضعيفة" (١٣٥٨) فقال: "إذا كان كذلك فالقواعد تقتضي أنّه رجل مجهول". قلت: صحّح له الترمذي وابن خزيمة وابن حبّان ونصّ بعض الرواة على توثيقه عند أحمد وابن ماجه وغيرهما، وأشار المزّي في "التحفة" (١٥٤٥٧) إلى رواية سعيد بن عبيد الطائي عنه، فإن كان محفوظًا ارتفعت عنه الجهالة، وإن كان وهمًا أو تحريفًا فالرجل لا يعدو أن يكون مقبولًا كما ذكر العسقلاني.
ورواه: الضبّي في "الدعاء" (١٢٨)، ومن طريقه الترمذي (٣٩ - الجنّة، ٢ - صفة الجنّة ونعيمها، ٤/ ٦٧٢/ ٢٥٢٦)؛ عن حمزة الزيّات، عن زياد الطائي، عن أبي هريرة … رفعه بطوله. قال الترمذي: "ليس إسناده بذلك القويّ، وليس هو عندي بمتّصل". قلت: زياد مجهول، وروايته عن أبي هريرة مرسلة، ولا يبعد أن يكون تلقّاه عن أبي مجاهد أو عن أبي مدلّة فتؤول هذه الطريق إلى الأولى.
لكن لا يخلو شيء من قطع الحديث من طرق أخرى أو شواهد تقوّيه سيأتي تفصيل القول فيها تباعًا عند شرحه فلا أطيل بذكرها هنا، ولذلك قوّاه الترمذي وابن خزيمة وابن حبّان والبغوي والعسقلاني والألباني.

<<  <   >  >>