للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتبَيَّنَ بهذا أنَّهُ يُسْتَحَبُّ في الليالي التي تُرْجى فيها ليلةُ القدرِ التَّنظُّفُ والتَّزيُّنُ والتَّطيُّبُ بالغسلِ والطِّيبِ واللباسِ الحسنِ، كما يُشْرَعُ ذلكَ في الجمعِ والأعيادِ. وكذلكَ يُشْرَعُ أخذُ الزِّينةِ بالثِّيابِ في سائرِ الصَّلواتِ، كما قالَ تَعالى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} [الأعراف: ٣١]. وقالَ ابنُ عُمَرَ: اللهُ أحقُّ أنْ يُتَزَيَّنَ لهُ. ويُرْوى عنهُ مرفوعًا (١).

ولا يَكْمُلُ التَّزيُّنُ الظَّاهرُ إلَّا بتزيُّنِ الباطنِ بالتَّوبةِ والإنابةِ إلى اللهِ وتطهيرِهِ مِن أناسِ الذُّنوبِ وأوضارِها؛ فإنَّ زينةَ الظَّاهرِ معَ خراب الباطنِ لا تُغْني شيئًا. قالَ اللهُ تَعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} [الأعراف: ٢٦]:

إذا المَرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيابًا مِنَ التُّقى … تَقَلَّبَ عُرْيانًا وَإنْ كانَ كاسِيا

لا يَصْلُحُ لمناجاةِ الملوكٍ في الخلواتِ إلَّا مَن زَيَّنَ ظاهرَهُ وباطنَهُ وطَهَّرَهُما،


(١) (صحيح موقوفًا منكر مرفوعًا). يرويه نافع مولى ابن عمر واختلف عليه فيه على وجوه: روى الأوَّل: عبد الرزّاق (١٣٩٠ و ١٣٩١)، والبخاري في "التاريخ" (٧/ ٣٧٦)، وابن خزيمة (٧٦٦)، والطحاوي (١/ ٣٧٧ و ٣٧٨)، وابن عدي (٤/ ١٦٠٦)، والبيهقي (٢/ ٢٣٦)، وابن عبد البرّ في "التمهيد" (٦/ ٣٦٩ و ٣٧١)، والضياء في "المختارة" (١/ ٣٠٩/ ٢٠٠)؛ من طرق ثمان، عن نافع، عن ابن عمر … موقوفًا. وبعض طرقه صحيح لذاته، وأكثرها قويّ، والوقف باجتماعها صحيح جدًّا. وروى الثاني: الحاكم في "المدخل إلى الصحيح" (ص ١٤٢) من طريق سعيد بن داورد الزنبري أبي عثمان، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر … رفعه. قال الحاكم: "موضوع". قلت: من أجل سعيد هذا؛ فإنه كذاب روى هذا الحديث عن مالك فرفعه وخالف ثقات أصحابه الذين رووه عن مالك موقوفًا على الوجه الأول. لكنّه توبع، فرواه: الطحاوي في "المعاني" (١/ ٣٧٧)، والطبراني في "الأوسط" (٩٣٦٤)؛ من طريق زهير بن عبّاد، ثنا حفص بن ميسرة، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر … رفعه. قال الطبراني: "تفرّد به زهير بن عبّاد". وقال الهيثمي (٢/ ٥٤): "إسناده حسن". قلت: زهير ضعيف، وحفص يهم. وروى الثالث: الطبراني في "الأوسط" (٧٠٥٨) من طريق عبد الله بن جعفر، عن عمر بن نافع، عن أبيه، عن ابن عمر … لا أعلمه إلّا رفعه. وهاهنا علّتان: أولاهما: عبد الله بن جعفر هذا هو ابن المديني واهٍ. والأخرى: أنّه تردّد في رفعه فلم يجزم. لكنّه توبع، فرواه البيهقي (٢/ ٢٣٥) من طريق أحمد بن منصور المديني، ثنا محمّد بن إسحاق المسيّبي، ثنا أنس بن عياض، عن موسى بن عقبة، عن نافع، عن ابن عمر … لا أراه إلّا رفعه. وأحمد بن منصور مجهول.
وخلاصة هذا أن المعروف في هذا المتن الوقف، وأمّا الرفع فقد جاء على الجزم من وجهين واهيين وعلى الشكّ من وجهين واهيين أيضًا. وقد صحّح الألباني الحديث مرفوعًا باجتماع الطريقين إلى موسى بن عقبة، وفيه نظر: لاختلافهما جزمًا وشكًّا، ولضعفهما، ولمخالفتهما رواية الثقات الكثر للمتن موقوفًا.

<<  <   >  >>