للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خصوصًا ملكَ الملوكِ الذي يَعْلَمُ السِّرَّ وأخفى وهوَ لا يَنْظُرُ إلى صورِكُم وإنَّما يَنْظُرُ إلى قلوبِكُم وأعمالِكُم، فمَن وَقَفَ بينَ يديهِ؛ فلْيُزَيِّنْ [لهُ] ظاهرَهُ باللباسِ وباطنَهُ بلباسِ التَّقوى.

أنْشَدَ الشِّبْلِيُّ:

قالوا غَدا العيدُ ماذا أنْتَ لابِسُهُ … فَقُلْتُ خِلْعَةَ ساقٍ حُبَّهُ جُرَعا

فَقْرٌ وصَبْرٌ هُما ثَوْبانِ تَحْتَهُما … قَلْبٌ يَرى إلْفَهُ الأعيادَ وَالجُمَعا

أحْرى الملابسِ أنْ تَلْقى الحَبيبَ بِهِ … يَوْمَ التَّزاوُرِ في الثَّوْبِ الذي خَلَعا

فَالدَّهْرُ لي مَأْتَمٌ إنْ غِبْتَ يا أمَلِي … وَالعيدُ ما كُنْتَ لي مَرْأًى وَمُسْتَمَعا (١)

• ومنها: الاعتكافُ

ففي الصَّحيحينِ (٢): عن عائِشَةَ - رَضِيَ اللهُ عنها -؛ أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَعْتكِفُ العشرَ الأواخرَ مِن رمضانَ حتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ.

وفي "صحيح البُخارِيِّ" (٣): عن أبي هُرَيْرَةَ؛ قالَ: كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يَعْتكِفُ في كلِّ رمضانَ عشرةَ أيامٍ، فلمَّا كانَ العامُ الذي قُبِضَ فيهِ؛ اعْتكفَ عشرينَ.

وإنَّما كانَ يَعْتكِفُ - صلى الله عليه وسلم - في هذهِ العشرِ التي يُطْلَبُ فيها ليلةُ القدرِ قطعًا لأشغالِهِ وتفريغًا لبالِهِ وتخلِّيًا لمناجاةِ ربِّهِ وذكرِهِ ودعائِهِ. وكانَ - صلى الله عليه وسلم - يَحْتَجِرُ حصيرًا يَتَخَلَّى فيها عن النَّاسِ فلا يُخالِطُهُم ولا يَشْتَغِلُ بهِم (٤).

ولهذا ذَهَبَ الإمامُ أحْمَدُ إلى أن المعتكفَ لا يُسْتَحَبُّ لهُ مخالطةُ النَّاسِ، حتَّى ولا لتعليمِ علمٍ وإقراءِ قرآنٍ، بلِ الأفضلُ لهُ الانفرادُ بنفسِهِ والتَّخلِّي بمناجاةِ ربِّهِ وذكرِهِ


(١) تقدّم هذا البيت في خ على ما قبله، والأولى ما أثبتّه من م و ن و ط.
(٢) البخاري (٣٣ - الاعتكاف، ١ - الاعتكاف في العشر الأواخر، ٤/ ٢٧١/ ٢٠٢٦)، ومسلم (١٤ - الاعتكاف، ١ - اعتكاف العشر الأواخر، ٢/ ٨٣٠/ ١١٧٢).
(٣) (٣٣ - الاعتكاف، ١٧ - الاعتكاف في العشر الأوسط، ٤/ ٢٨٤/ ٢٠٤٤).
(٤) رواه: البخاري (١٠ - الأذان، ٨١ - صلاة الليل، ٢/ ٢١٤/ ٧٣٠ و ٧٣١)، ومسلم (٦ - المسافرين، ٣٠ - فضيلة العمل الدائم، ١/ ٥٤٠/ ٧٨٢ و ٧٨١)؛ من حديث عائشة وزيد بن ثابت على الترتيب.
ومعنى احتجار الحصير: اتخاذه كالحجرة بجعله حاجزًا بينه وبين الناس.

<<  <   >  >>