للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• وإنَّما كانَ يومُ الفطرِ مِن رمضانَ عيدًا لجميعِ الأُمَّةِ؛ لأنَّهُ يُعْتَقُ فيهِ أهلُ الكبائرِ مِن الصَّائمينَ مِن النَّارِ فيَلْتَحِقُ فيهِ المذنبونَ بالأبرارِ، كما أنَّ يومَ النَّحرِ هوَ العيدُ الأكبرُ؛ لأنَّ قبلَهُ يومَ عرفةَ، وهوَ اليومُ الذي لا يُرى في يومٍ مِن الدُّنيا أكثرَ عتقًا مِن النَّارِ منهُ. فمَن أُعْتِقَ مِن النَّارِ في اليومينِ؛ فلهُ يومُ عيدٍ، ومَن فاتَهُ العتقُ في اليومينِ؛ فلهُ يومُ وعيدٍ.

أنْشَدَ الشِّبْلِيُّ:

لَيْسَ عيدُ المُحِبِّ قَصْدَ المُصَلَّى … وَانْتِظارَ الأميرِ وَالسُّلْطانِ

إنَّما العيدُ أنْ تَكونَ لَدى الـ … ــــــــاهِ كَريمًا مُقَرَّبًا في أمانِ

ورُئِيَ بعضُ العارفينَ ليلةَ عيدٍ في فلاةٍ يَبْكي على نفسِهِ ويُنْشِدُ:

بِحُرْمَةِ غُرْبَتي كَم ذا الصُّدودُ … ألا تَعْطِفْ عَلَيَّ ألا تَجودُ

سُرورُ العيدِ قَدْ عَمَّ النَّواحي … وَحُزْني في ازْدِيادٍ لا يَبِيدُ

فَإنْ كُنْتُ اقْتَرَفْتُ خِلالَ سَوْءٍ … فَعُذْري في الهَوى أنْ لا أعودُ

لمَّا كانَتِ المغفرةُ والعتقُ مِن النَّارِ كلٌّ منهُما مرتَّبًا على صيامِ رمضانَ وقيامِهِ؛ أمَرَ اللهُ سبحانَهُ وتَعالى عندَ إكمالِ العدَّةِ بتكبيرِهِ وشكرِهِ، فقالَ: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: ١٨٥]. فشكرُ مَن أنْعَمَ على عبادِهِ بتوفيقِهِم للصِّيامِ وإعانتِهِم عليهِ ومغفرتِهِ لهُم بهِ وعتقِهِم بهِ مِن النَّارِ أنْ يَذْكُروهُ ويَشْكُروهُ ويَتَّقوهُ حقَّ تقاتِهِ. وقد فَسَّرَ ابنُ مَسْعودٍ تقواهُ حقَّ تقاتِهِ بأنْ يُطاعَ فلا يُعْصى ويُذْكَرَ فلا يُنْسى ويُشْكَرَ فلا يُكْفَرَ.

فيا أربابَ الذُّنوبِ العظيمة! الغنيمةَ الغنيمةَ في هذهِ الأيامِ الكريمة؛ فما منها عوضٌ ولا لها قيمة! فكم يُعْتَقُ فيها مِن النَّارِ مِن ذي جريرةٍ وجريمة! فمن أُعْتِقَ فيها مِن النَّارِ فقد فازَ بالجائزةِ العميمةِ والمنحةِ الجسيمة.

يا مَن أعْتَقَهُ مولاهُ مِن النَّار! إيَّاكَ أنْ تَعودَ بعدَ أنْ صِرْتَ حرًّا إلى رقِّ الأوزار. أيُبْعِدُكَ مولاكَ عن النَّارِ وأنتَ تتقَرَّبُ منها، ويُنْقِذُكَ منها وأنتَ توقِعُ نفسَكَ فيها ولا تَحيدُ عنها؟!

وإنَّ امْرَءًا يَنْجو مِنَ النَّارِ بَعْدَما … تَزَوَّدَ مِن أعْمالِها لَسَعيدُ

<<  <   >  >>