للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذِهِ الطَّبقةُ خلفاءُ الرُّسلِ؛ عامَلوا الله بقلوبِهِم، وعاشَروا الخَلْقَ بأبدانِهِم، كما قالَتْ رابِعَةُ:

وَلَقَدْ جَعَلْتُكَ في الفُؤادِ مُحَدِّثي … وَأبَحْتُ جِسْمِيَ مَنْ أرادَ جُلوسي

فَالجِسْمُ مِنِّي لِلْجَليسِ مُؤانِسٌ … وَحَبيبُ قَلْبِيَ في الفُؤادِ أنيسي

• المواعظُ سياطٌ تُضْرَبُ بها القلوبُ فتُؤَثِّرُ فيها كتأْثيرِ السِّياطِ في البدنِ، والضَّربُ لا يُؤَثِّرُ بعدَ انقضائِهِ كتأْثيرِهِ في حالِ وجودِهِ، لكنْ يَبْقى أثرُ التَّألُّمِ بحسبِ قوَّتهِ وضعفِهِ، فكلَّما قَوِيَ الضَّرْبُ؛ كانَتْ مدَّةُ بقاءِ الألمِ أكثرَ.

كانَ كثيرٌ مِن السَّلفِ إذا خَرَجوا مِن مجلسِ سماعِ الذِّكرِ خَرَجوا وعليهِمُ السَّكينةُ والوَقارُ: فمنهُم مَن كانَ لا يَسْتَطيعُ أنْ يَأْكُلَ طعامًا عَقيبَ ذلكَ، ومِنهم مَن كانَ يَعْمَلُ بمقتضى ما سَمِعَهُ مدَّةً.

أفضلُ الصَّدقةِ تعليمُ جاهلٍ أو إيقاظُ غافلٍ.

ما وُصِلَ المُسْتَثْقِلُ في نومِ (١) الغفلةِ بأفضلَ مِن ضربِهِ بسياطِ الموعظةِ لِيَسْتَيْقِظَ.

المواعظُ كالسِّياطِ تَقَعُ على نِياطِ القلوبِ: فمَن آلَمَتْهُ فصاحَ؛ فلا جُناح، ومَن زادَ ألمُهُ فماتَ؛ فدمُهُ مباح.

قَضَى اللهُ في القَتْلى قِصاصَ دِمائِهِمْ … وَلكِنْ دِماءُ العاشِقينَ جُبارُ (٢)

وَعَظَ عَبْدُ الواحِدِ بنُ زَيْدٍ [يومًا]، فصاحَ رجلٌ: يا أبا عُبَيْدَةَ! كُفَّ! فقدْ كَشَفْتَ [بـ]ـالموعظةِ قناعَ قلبي. فأتَمَّ عَبْدُ الواحِدِ موعظتَهُ، فماتَ الرَّجلُ.

صاحَ رجلٌ في حلْقةِ الشِّبْلِيِّ فماتَ، فاسْتَعْدى أهلُهُ على الشِّبْلِيِّ إلى الخليفةِ، فقالَ الشِّبْلِيُّ: نفسٌ رَنَتْ فحَنَّتْ، فدُعِيَتْ فأجابَتْ، فما ذنبُ الشِّبْلِيِّ (٣)؟


= وهذا سند واه من أجل حارثة فإنه في حد الترك، وقد ذكر ابن عدي والذهبي هذا الحديث في منكراته، وليس الشأن في كونه - صلى الله عليه وسلم - أكرم الناس وأحسنهم خلقًا فلعمر الله قد كان فوق ذلك، ولكن الشأن في صحّة نسبة هذا الكلام لعائشة، فلا يصح، وفي قولها "ضحاكًا" نكارة على كل حال.
(١) من هنا يبدأ الأصل الخطي المساعدن.
(٢) جبار: مهدورة لا قصاص فيها.
(٣) ذنبه أنه رأس هذه البدعة وفاتح باب الضلالة! يمنّون الشاب الغضّ الغرّ بالمكاشفة والمكافحة =

<<  <   >  >>