للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحجرات:١٥].

وقد صَحَّ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِن غيرِ وجهٍ أن أفضلَ الأعمالِ الإيمانُ باللهِ والجهادُ في سبيلِهِ.

• فالإيمانُ المجرَّدُ تَدْخُلُ فيهِ أعمالُ الجوارحِ عندَ السَّلفِ وأهلِ الحديثِ، والإيمانُ المقرونُ بالعملِ يُرادُ بهِ التَّصديقُ معَ القولِ، وخصوصًا إنْ قُرِنَ الإيمانُ باللهِ بالإيمانِ برسولهِ، كما في هذا الحديثِ.

فالإيمانُ القائمُ بالقلوبِ أصلُ كلِّ خيرٍ، وهوَ خيرُ ما أُوتِيَهُ العبدُ في الدُّنيا، وبهِ يَحْصُلُ لهُ سعادةُ الدُّنيا والآخرةِ والنَّجاةُ مِن شقاوةِ الدُّنيا والآخرةِ.

ومَتى رَسَخَ الإيمانُ في القلبِ انْبَعَثَتِ الجوارحُ كُلُّها بالأعمالِ الصَّالحةِ واللسانُ بالكلمِ الطَّيِّبِ، كما قالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإنَّ في الجسدِ مضغةً، إذا صَلَحَتْ صَلَحَ الجسدُ كلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ فَسَدَ الجسدُ كلُّهُ، ألا وهيَ القلبُ" (١).

ولا صلاحَ للقلبِ بدونِ الإيمانِ باللهِ وما يَدْخُلُ في مسمَّاهُ مِن معرفةِ اللهِ وتوحيدهِ وخشيتِهِ ومحبَّتِهِ ورجائِهِ والإنابةِ إليهِ والتَّوكُّلِ عليهِ.

قالَ الحَسَنُ: ليسَ الإيمانُ بالتَّمنِّي ولا بالتَّحلِّي، ولكنَّهُ ما وَقَرَ في الصُّدورِ وصَدَّقَتْهُ الأعمالُ.

ويَشْهَدُ لذلكَ قولُهُ تَعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} [الأنفال: ٢ - ٤].

وفي هذا يَقولُ بعضُهُم:

ما كُل مَنْ زَوَّقَ لي قَوْلَهُ … يَغُرُّني يا صاحِ تَزْويقُهُ

مَنْ حَقَّقَ الإيمانَ في قَلْبِهِ … لا بُدَّ أنْ يَظْهَرَ تَحْقيقُهُ

فإذا ذاقَ العبدُ حلاوةَ الإيمانِ ووَجَدَ طعمَهُ وحلاوتَهُ؛ ظَهَرَ ثمرةُ ذلكَ على لسانِهِ


(١) رواه: البخاري (٢ - الإيمان، ٣٩ - من استبرأ لدينه، ١/ ١٢٦/ ٥٢)، ومسلم (٢٢ - المساقاة، ٢٠ - أخذ الحلال، ٣/ ١٢١٩/ ١٥٩٩)؛ من حديث النعمان بن بشير.

<<  <   >  >>