للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وجوارحِهِ، فاسْتَحْلى اللسانُ ذكرَ اللهِ وما والاهُ وأسْرَعَتِ الجوارحُ إلى طاعةِ اللهِ، فحينئذٍ يَدْخُلُ حبُّ الإيمانِ في القلبِ كما يَدْخُلُ حبُّ الماءِ الباردِ الشَّديدِ بردُهُ في اليومِ الشَّديدِ حرُّهُ للظَّمآنِ الشَّديدِ عطشُهُ، ويَصيرُ الخروجُ مِن الإيمانِ أكرهَ إلى القلوبِ مِن الإلقاءِ في النَّارِ وأمرَّ عليها مِن الصَّبرِ.

ذَكَرَ ابنُ المُبارَكِ عن أبي الدَّرْداءِ؛ أنَّهُ دَخَلَ المدينةَ، فقالَ لهُم: ما لي لا أرى عليكُم يا أهلَ المدينةِ حلاوةَ الإيمانِ؟ والذي نفسي بيدِهِ؛ لو أن دُبَّ الغابةِ وَجَدَ طعمَ الإيمانِ؛ لَرُئِيَ عليهِ حلاوةُ الإيمانِ.

لَوْ ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ رَضْوى … لَكادَ مِنْ وَجْدِهِ يَميدُ

قَدْ حَمَّلوني تَكْليفَ عَهْدٍ … يَعْجِزُ عَنْ حَمْلِهِ الحَديدُ

• فالإيمانُ باللهِ ورسولِهِ قد سَبَقَ أنَّهُ وظيفةُ القلبِ واللسانِ، ثمَّ يَتْبَعُهُما عملُ الجوارحِ، وأفضلُها الجهادُ في سبيلِ اللهِ، وهوَ نوعانِ:

* أفضلُهُما جهادُ المؤمنِ لعدوِّهِ الكافرِ وقتالُهُ في سبيلِ اللهِ؛ فإنَّ فيهِ دعوةً لهُ إلى الإيمانِ باللهِ ورسولهِ؛ لِيَدْخُلَ في الإيمانِ.

قالَ تَعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: ١١٠]. قالَ أبو هُرَيْرَةَ في هذهِ الآيةِ: يَجيئونَ بهِم في السَّلاسلِ حتَّى يُدْخِلوهُمُ الجنَّةَ. وفي الحديثِ المرفوعِ: "عَجِبَ ربُّكَ مِن قومٍ يُقادون إلى الجنَّةِ بالسَّلاسلِ" (١).

فالجهادُ في سبيلِ اللهِ دعاءُ الخلقِ إلى الإيمانِ باللهِ ورسولهِ بالسَّيفِ واللسانِ بعدَ دعائِهِم إليهِ بالحجَّةِ والبرهانِ. وقد كانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - في أوَّلِ الأمرِ لا يُقاتِلُ قومًا حتَّى يَدْعُوَهُم.

فالجهادُ بهِ تَعْلو كلمةُ الإيمانِ، وتَتَّسِعُ رقعةُ الإسلامِ، ويَكْثُرُ الدَّاخلونَ فيهِ، وهوَ وظيفةُ الرُّسلِ وأتباعِهِم، وبهِ تَصيرُ كلمةُ اللهِ هيَ العليا، والمقصودُ منهُ أنْ يَكونَ الدِّينُ


(١) (٥٦ - الجهاد، ١٤٤ - الأسارى في السلاسل، ٦/ ١٤٥/ ٣٠١٠) من حديث أبي هريرة.

<<  <   >  >>