للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقالَ تَعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [النور: ٣٦ - ٣٧].

والنَّوعُ الأوَّلُ مِن الجهادِ أفضلُ مِن هذا النَّوعِ الثَّاني.

قالَ تَعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٩) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} [التوبة: ١٩ - ٢٠].

وفي "صحيح مسلم" (١): عن النُّعْمانِ بن بَشيرٍ؛ قالَ: كُنْتُ عندَ منبرِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ رجلٌ: ما أُبالي أنْ لا أعْمَلَ عملًا بعدَ الإسلامِ إلَّا أنْ أسْقِيَ الحاجَّ. وقالَ آخرُ: ما أُبالي أنْ لا أعْمَلَ عملًا بعدَ الإسلامِ إلا أنْ أعْمُرَ المسجدَ الحرامَ. وقالَ آخرُ: الجهادُ في سبيلِ اللهِ أفضلُ ممَّا قُلْتُمْ. فزَجَرَهُمْ عُمَرُ وقالَ: لا تَرْفَعوا أصواتَكُم عندَ منبرِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وهوَ يومُ الجمعةِ، ولكنْ إذا صُلِّيَتِ الجمعةُ دَخَلْتُ فاسْتَفْتَيْتُهُ فيما اخْتَلَفْتُمْ فيهِ. فأنْزَلَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} إلى آخرِ الآيةِ.

فهذا الحديثُ الذي فيهِ ذكرُ سببِ نزولِ هذهِ الآيةِ يُبَيِّنُ أن المرادَ أفضلُ ما يُتَقَرَّبُ بهِ إلى اللهِ تَعالى مِن أعمالِ النَّوافلِ والتَّطوُّعِ وأنَّ الآيةَ تَدُلُّ على أن أفضلَ ذلكَ الجهادُ معَ الإيمانِ، فدَلَّ على أن التَّطوُّعَ بالجهادِ أفضلُ مِن التَّطوُّعِ بعمارةِ المسجدِ الحرامِ


= في "تعظيم الصلاة" (٣٣٦)، وابن خزيمة (١٥٠٢)، وابن حبّان (١٧٢١)، وابن عدي (٣/ ٩٨١ و ١٠١٣)، والحاكم (١/ ٢١٢، ٢/ ٣٣٢)، وابن مردويه (التوبة ١٧ - ابن كثير)، وأبو نعيم في "الحلية" (٨/ ٣٢٧)، والبيهقي (٣/ ٦٦)، والخطيب في "التاريخ" (٥/ ٤٥٩)، والأصبهاني في "الترغيب" (٢١٦٤)؛ من طريق درّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد … رفعه.
قال الترمذي في الموضعين: "حسن غريب". وصحّحه الحاكم في الموضعين ووافقه الذهبي في الثاني وتعقّبه في الأوّل بقوله: "درّاج كثير المناكير". قلت: درّاج ضعيف في روايته عن أبي الهيثم، وهذا منها. وقال الألباني في تعليقه على ابن خزيمة "إسناده صحيح" على غير عادته في روايات درّاج عن أبي الهيثم، وكأنّه سبق قلم فإنّه أودعه في "ضعيف ابن ماجه". وضعّفه أيضًا مغلطاي والمناوي.
(١) (٣٣ - الإمارة، ٢٩ - فضل الشهادة، ٣/ ١٤٩٨/ ١٨٧٨).

<<  <   >  >>