للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسقايةِ الحاجِّ. وعلى مثلِ هذا يُحْمَلُ حديثُ أبي هُرَيْرَةَ.

• هذا؛ وإنَّ الجهادَ أفضلُ مِن الحجِّ المتطوَّعِ بهِ؛ فإنَّ فرضَ الحجِّ تَأخَّرَ عندَ كثيرٍ مِن العلماءِ إلى السَّنةِ التَّاسعةِ، ولعلَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ هذا الكلامَ قبلَ أنْ يُفْرَضَ الحجُّ بالكلِّيَّةِ، فكانَ حينئذٍ تطوُّعًا.

وقد قيلَ: إنَّ الجهادَ كانَ في أوَّلِ الإسلامِ فرضُ عينٍ، فلا إشكالَ في هذا على تقديمِهِ على الحجِّ قبلَ افتراضِهِ. فأمَّا بعدَ أنْ صارَ الجهادُ فرضَ كفايةٍ والحجُّ فرضَ عينٍ؛ فإنَّ الحجَّ المفروضَ حينئذٍ يَكونُ أفضلَ مِن الجهادِ.

قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ عَمْرِو بن العاصِ: حجَّة قبلَ الغزوِ أفضلُ مِن عشرِ غزواتٍ، وغزوةٌ بعدَ حجَّةٍ أفضلُ مِن عشرِ حجَّاتٍ. [و] رُوِيَ ذلكَ مرفوعًا مِن وجوهٍ متعدِّدةٍ في أسانيدِها مقالٌ (١).

وقالَ الصُّبَيُّ بنُ مَعْبَدٍ: كُنْتُ نصرانيًّا، فأسْلَمْتُ، فسَألْتُ أصحابَ مُحَمَّدٍ: الجهادُ


(١) (ضعيف جدًّا). رواه يحيى بن سعيد الأنصاري واختلف عليه فيه على وجهين: روى الأوّل: الفاكهي (٨٠٣)، وابن حبّان في "المجروحين" (٢/ ٤١)، والطبراني في "الكبير" (٥/ ٢٨٤ - مجمع) و"الأوسط" (٣١٦٨)، والبيهقي في "السنن" (٤/ ٣٣٤) و"الشعب" (٤٢٢١)، والذهبي في "الميزان" (٢/ ٤٤٤) معلّقًا؛ من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، ثنا يحيى بن أيّوب، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن يسار (وجاء مرّة: عطاء بن يسار)، عن ابن عمرو … رفعه. وأشار إلى الثاني البيهقي بقوله: "ورواه سفيان الثوري عن يحيى بن سعيد أخبرني مخبر عن عطاء بن يسار عن ابن عمر موقوفًا". فإن صحّت الطريق إلى سفيان؛ فالقول قوله؛ لأنّه جبل الحفظ، بخلاف كاتب الليث ويحيى بن أيّوب المتكلّم فيهما. وممّا يرجّح هذا الوجه الثاني أنّه جاء بنحوه بسند قويّ عن ابن عمر موقوفًا عند ابن أبي شيبة (١٩٣٥٢).
ورواه مكحول الشامي واختلف عليه فيه على ثلاثة أوجه: روى أوّلها: أبو نعيم في "الحلية" (٥/ ١٨٨) من طريق محمّد بن عمر الكلاعي، عنه، عن ابن عمر … رفعه بنحوه. وروى الثاني أبو داوود في "المراسيل" (٣٠٣ و ٣٠٤) من وجهين يقوّي أحدهما الآخر، عن مكحول … مرسلًا. وروى الثالث ابن المبارك في "الجهاد" (٢٢٨): أنا مكحول، ثنا الضحّاك بن عبد الرحمن بن عرزب، عن عبد الرحمن بن غنم … موقوفًا. فالوجه الأوّل ساقط لشدّة نكارة حديث الكلاعي. ورواية ابن المبارك عن مكحول في الوجه الثالث منقطعة، اللهمّ إلّا أن يكون الإشكال في المطبوعة؛ فإنّ ابن المبارك لا يقول: أنا مكحول، وعندئذ يصير الوجه الثالث أرجح وأقوى من الثاني ويكون الصواب هاهنا أيضًا الوقف.
وخلاصة القول أنّ الوقف راجح على الوجهين، والرفع ساقط، والإرسال محتمل. ومثل هذا لا يزحزح الحديث عن الضعف، وقد قال ابن رجب: "في أسانيدها مقال"، وقال الألباني: "ضعيف جدًّا".

<<  <   >  >>