للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أفضلُ أمِ الحجُّ؟ فقالوا: الحجُّ.

والمرادُ - واللهُ أعلمُ - أن الحجَّ أفضلُ لمَن لمْ يَحُجَّ حجَّةَ الإسلامِ مثلِ هذا الذي أسْلَمَ، وقد يَكونُ المرادُ بحديثِ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ جنسَ الجهادِ أشرفُ مِن جنسِ الحجِّ، فإنْ عَرَضَ للحجِّ وصفٌ يَمْتازُ بهِ على الجهادِ - وهوَ كونُهُ فرضَ عينٍ -؛ صارَ ذلكَ الحجُّ المخصوصُ أفضلَ مِن الجهادِ، وإلَّا؛ فالجهادُ أفضلُ. واللهُ أعلمُ.

• وقد دَلَّ حديثُ أبي هُرَيْرَةَ على أن أفضلَ الأعمالِ بعدَ الجهادِ في سبيلِ اللهِ جنسُ عمارةِ المساجدِ بذكرِ اللهِ وطاعتِهِ، فدَخَلَ في ذلكَ الصَّلاةُ والذِّكرُ والتِّلاوةُ والاعتكافُ وتعليمُ العلمِ النَّافعِ واستماعُهُ.

وأفضلُ ذلكَ عمارةُ أفضلِ المساجدِ وأشرفِها - وهوَ المسجدُ الحرامُ - بالزِّيارةِ والطَّوافِ. فلهذا خَصَّهُ بالذِّكرِ وجَعَلَ قصدَهُ للحجِّ أفضلَ الأعمالِ بعدَ الجهادِ. وقد خَرَّجَهُ ابنُ المُنْذِرِ ولفظُهُ: "ثمَّ حجٌّ مبرورٌ أو عمرةٌ" (١).

وقد ذَكَرَ اللهُ تَعالى هذا البيتَ في كتابِهِ بأعظمِ ذكرٍ وأفخمِ تعظيمٍ وثناءٍ: قالَ تَعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} الآياتِ [البقرة: ١٢٥]. وقالَ تَعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٦ - ٩٧]. وقالَ تَعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (٢٦) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: ٢٦ - ٢٧].

فعمارةُ سائرِ المساجدِ سوى المسجدِ الحرامِ وقصدُها للصَّلاةِ فيها وأنواعُ


(١) (صحيح). رواه: معمر في "الجامع" (٢٠٢٩٦)، وأبو عوانة (١٧٦)، وابن المنذر (٥٠٧ - لطائف المعارف)؛ من طريق الزهريّ، عن ابن المسيّب، عن أبي هريرة … رفعه.
وله شاهد عند: معمر في "الجامع" (٢٠١٠٧)، وأحمد (٤/ ١١٤)، وعبد بن حميد (٣٠١)، والفاكهي في "مكّة" (٨٧٢)، والطبراني (٣/ ٢١٠ - مجمع)؛ بسند فيه انقطاع عن عمرو بن عبسة مرفوعًا.

<<  <   >  >>