للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدُهُما: بمعنى الإحسانِ إلى النَّاسِ، كما يُقالُ: البرُّ الصِّلةُ، وضدُّهُ العقوقُ.

وفي "صحيح مسلم" (١)، أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ عن البرِّ، فقالَ: "البرُّ حسنُ الخلقِ".

وكانَ ابنُ عُمَرَ تقولُ: إنَّ البرَّ شيءٌ هيِّن؛ وجهٌ طليقٌ وكلامٌ ليِّن.

وهذا يُحْتاجُ إليهِ في الحجِّ كثيرًا؛ أعني: معاملةَ النَّاس بالإحسانِ بالقولِ والفعلِ.

قالَ بعضُهُم: إنَّما سُمِّيَ السَّفرُ سفرًا، لأنَّهُ يُسْفِرُ عن أَخلاقِ الرِّجالِ.

وفي "المسند": عن جابرٍ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: "الحجُّ المبرورُ ليسَ لهُ جزاءٌ إلَّا الجنَّةَ". قالوا: وما برُّ الحجِّ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: "إطعامُ الطَّعامِ، وإفشاءُ السَّلامِ" (٢).

وفي حديثٍ آخرَ: "وطيبُ الكلامِ" (٣).

وسُئِلَ سَعيدُ بنُ جُبَيْرٍ: أيُّ الحاجِّ أفضلُ؟ قالَ: مَن أطْعَمَ الطَّعامَ وكَفَّ لسانَهُ. قالَ الثَّوْرِيُّ: سَمِعْتُ أنَّهُ مِن برِّ الحجِّ.

وفي مراسيلِ: خالِدِ بن مَعْدانَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: "ما يَصْنَعُ مَن يَؤُمُّ هذا البيتَ إذا لمْ يَكُنْ فيهِ خصالٌ ثلاثةٌ: ورعٌ يَحْجُزُهُ عمَّا حَرَّمَ الله، وحلمٌ يَضْبِطُ بهِ جهلَهُ، وحسنُ صحابةٍ لمَن يَصْحَبُ. وإلَّا؛ فلا حاجةَ للهِ بحجِّهِ" (٤).

وقالَ أبو جَعْفَرٍ الباقِرُ: ما يَعْبَأُ مَن يَؤُمُّ هذا البيتَ إذا لمْ يَأْتِ بثلاثٍ: ورعٌ يَحْجُزُهُ عن معاصي اللهِ، وحلم يَكُفُّ بهِ غضبَهُ، وحسنُ الصَّحابةِ لمَن يَصْحَبُهُ مِن المسلمينَ.

فهذهِ الثَّلاثةُ يُحْتاجُ إليها في الأسفارِ كلِّها، خصوصًا في سفرِ الحجِّ، فمَن كَمَّلَها؛ فقد كَمَلَ حجُّهُ وبَرَّ.

ومِن أجْمعِ خصالِ البرِّ التي يَحْتاجُ إليها الحاجُّ ما وَصَّى بهِ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أبا جُرَيٍّ الهُجَيْمِيَّ، فقالَ لهُ: "لا تَحْقِرَنَّ مِن المعروفِ شيئًا، ولو أنْ تُفْرِغَ مِن دلوِكَ في إناءِ المستسقي، ولو أنْ تُعْطِيَ صلةَ الحبلِ، ولو أنْ تُعْطِيَ شسعَ النَّعلِ، ولو أنْ تُنَحِّيَ الشَّيءَ


(١) (٤٥ - البرّ والصلة، ٥ - تفسير البرّ والإثم، ٤/ ١٩٨٠/ ٢٥٥٣) من حديث النوّاس.
(٢) (صحيح). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ١٥١).
(٣) (صحيح). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ١٥١).
(٤) (ضعيف). إن سلمت الطريق إلى خالد بن معدان فهو مرسل، والمرسل من أنواع الضعيف، ولم أقف عليه في غير هذا الموضع.

<<  <   >  >>