للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد كانَ السَّلفُ يُواظِبونَ في الحجِّ على نوافلِ الصَّلاةِ.

وكانَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يُواظِبُ على قيامِ الليلِ على راحلتِهِ في أسفارِهِ كلِّها ويوتِرُ عليها (١).

وحَجَّ مَسْروقٌ فما نامَ إلَّا ساجدًا.

وكانَ مُحَمَّدُ بنُ واسِعٍ يُصَلِّي في طريقِ مَكَّةَ ليلَهُ أجْمَعَ في محملِهِ؛ يُومِيءُ إيماءً، ويَأْمُرُ حاديَهُ أنْ يَرْفَعَ صوتَهُ خلفَهُ حتَّى يُشْتَغَلَ عنهُ بسماعِ صوتِ الحادي فلا يُتَفَطَّنَ لهُ.

وكانَ المُغيرَةُ بنُ حَكيم الصَّنْعانِيُّ يَحُجُّ مِن اليمنِ ماشيًا، وكانَ لهُ وردٌ بالليلِ يَقْرَأُ فيهِ كلَّ ليلةٍ ثلثَ القرآنِ، فيَقِفُ فيُصَلِّي حتَّى يَفْرَغَ مِن وردِهِ ثمَّ يَلْحَقُ بالرَّكبِ متى لَحِقَ، فربَّما لم يَلْحَقْهُم إلَّا في آخرِ النَّهارِ.

سلامُ [اللهِ] على تلكَ الأرواح، رحمةُ اللهِ على تلكَ الأشباح، ما مثلُنا ومثلُهُم إلَّا كما قالَ القائلُ:

نَزَلوا بِمَكَّةَ في قَبائِلِ هاشِمٍ … وَنَزَلْتَ بِالبَيْداءِ أبْعَدَ مَنْزِلِ

فنحنُ ما نَأْمُرُ إلَّا بالمحافظةِ على الصَّلاةِ في أوقاتِها ولو بالجمعِ بينَ الصَّلاتينِ المجموعتينِ في وقتِ إحداهُما بالأرضِ؛ فإنَّهُ لا يُرَخَّصُ لأحدٍ [أنْ] يُصَلِّي صلاةَ الليلِ في النَّهارِ ولا صلاةَ النَّهارِ في الليلِ ولا أنْ يُصَلِّي على ظهرِ راحلتِهِ المكتوبةَ؛ إلَّا مَن خافَ الانقطاعَ عن رفقتِهِ أو نحوَ ذلكَ ممَّن (٢) يَخافُ على نفسِهِ. فأمَّا المريضُ ومَن كانَ في ماءٍ وطينٍ؛ ففي صلاتِهِ على الرَّاحلةِ اختلافٌ مشهورٌ للعلماءِ، وفيهِ روايتانِ عن الإمامِ أحْمَدَ، وأنْ يَكونَ بالطهارةِ الشَّرعيَّةِ بالوضوءِ بالماءِ معَ القدرةِ عليهِ والتَّيمُّمِ عندَ العجزِ عنهُ حسًّا أو شرعًا. ومتى عَلِمَ اللهُ مِن عبدٍ حرصَهُ على إقامِ الصَّلاةِ على وجهِها؛ أعانَهُ.

قالَ بعضُ العلماءِ: كُنْتُ في طريقِ الحجِّ، وكانَ الأميرُ تقِفُ للنَّاسِ كلَّ يومٍ لصلاةِ


(١) رواه: البخاري (١٤ - الوتر، ٥ - الوتر على الدابّة، ٢/ ٤٨٨/ ٩٩٩ و ١٠٠٠)، ومسلم (٦ - المسافرين، ٤ - صلاة النافلة على الدابّة، ١/ ٤٨٦/ ٧٠٠)؛ من حديث ابن عمر.
(٢) في خ: "الانقطاع عن الرفقة أو نحو ذلك ممّا"، والأولى ما أثبتّه من م ون وط.

<<  <   >  >>