للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فوَهَبَ اللهُ لهُ أهلَ الموقفِ (١)!

ما الشَّأْنُ فيمَن سارَ ببدنِهِ، إنَّما الشَّأْنُ فيمَن قَعَدَ بدنُهُ وسارَ بقلبِهِ حتَّى سَبَقَ الرَّكبَ (٢)!

مَنْ لي بِمِثْلِ سَيْرِكَ المُذَلَّلِ … تَمْشي رُوَيْدًا وَتَجِي في الأوَّلِ

يا سائرينَ إلى ديارِ الأحبابِ! قِفوا للمنقطعينَ، تَحَمَّلوا معَكُم رسائلَ المحصرينَ (٣)، خُذوا نظرةً منِّي فَلاقوا بها الحمى.

يا سائِرينَ إلى الحَبيبِ تَرَفَّقوا … فَالْقَلْبُ بَيْنَ رِحالِكُمْ خَلَّفْتُهُ

ما لي سِوى قَلْبي وَفيكَ أذَبْتُهُ … ما لي سِوى دَمْعي وَفيكَ سَكَبْتُهُ

كانَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزيزِ إذا رَأى مَن يُسافِرُ إلى المدينةِ النَّبويَّةِ؛ يَقولُ لهُ: أقْرِئْ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - منِّيَ السَّلامَ.

ورُوِيَ أنَّهُ كانَ يُبْرِدُ عليهِ البريدَ مِن الشَّامِ (٤).

هذه الخِيفُ وَهاتيكَ مِنى … فَتَرَفَّقْ أيُّها الحادي بِنا

وَاحْبِسِ الرَّكْبَ عَلَيْنا ساعَةً … نَنْدُبُ الرَّبْعَ وَنَبْكي الدِّمَنا

فَلِذا المَوْقِفِ أعْدَدْنا البُكا … وَلِذا اليَوْمِ الدُّموعُ تُقْتَنى

أتُراكُمْ في النَّقا وَالمُنْحنى … أهلَ سَلْع تَذْكُرونا ذِكْرَنا

إِنْقَطَعْنا وَوَصَلْتُمْ فَاعْلَموا … وَاشْكُروا المُنْعِمَ يا أهْلَ مِنى

قَدْ خَسِرْنا وَرَبِحْتُمْ فَصِلوا … بِفُضولِ الرِّبحِ مَنْ قَدْ غُبِنا


(١) ملايين وملايين، من حدود الصين شرقًا إلى الأندلس غربًا ومن كلّ فجّ عميق، تقطع البلدان شهورًا وأيّامًا، ومنهم من يقضي نحبه في الطريق ومنهم من يقضيه في طريق الرجوع، لا همّ لهم إلّا زيارة هذا البيت والوقوف في ذلك الموقف؛ وليس فيهم حاجّ واحد! ولا رجل صالح واحد! ولا عبد واحد يقبل الله عمله! ولولا وساطة هذا القطب الغوث وشفاعته وهو نائم في بيته على فراشه لردّهم الله على أعقابهم خائبين! الله أكبر على هذا الصالح المزعوم (١) وهاتفه الشيطانيّ الموهوم (!) ولو فحصت ومحّصت فستجد غالبًا أنّ هذا الوليّ الشفيع هو شيخه أو شيخ طريقته!
(٢) بل فيمن سار ببدنه وقلبه؛ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ}.
(٣) رسائل المحصرين لا تحتاج إلى حامل ولا وسيط، {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.
(٤) يعني: كان يرسل البريد من الشام خصوصًا لإبلاغ سلامه للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -. وما أراه يصحّ. والعمدة في هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم -: "حيثما كنتم فصلّوا علي فإنّ صلاتكم تبلغني".

<<  <   >  >>