للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والجمعُ بينَ ذلكَ كلِّهِ أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - لم يَجْعَلْ للجهادِ في زمانِهِ عملًا يَعْدِلُهُ بحيثُ إذا انْقَضى الجهادُ انْقضى ذلكَ العملُ واسْتَوى العاملُ معَ المجاهدِ في الأجرِ، وإنَّما جَعَلَ الذي يَعْدِلُ الجهادَ الذِّكرَ الكثيرَ المستدامَ في بقيَّةِ عمرِ المؤمنِ مِن غيرِ قطعٍ لهُ حتَّى يَأْتِيَ صاحبَهُ أجلُهُ، فإذا اسْتَمَرَّ على هذا الذِّكرِ في أوقاتِهِ إلى أنْ ماتَ عليهِ عَدَلَ ذكرُهُ هذا الجهادَ (١).

وقد دَلَّ على ذلكَ أيضًا ما خَرَّجَهُ الإمامُ أحْمَدُ والتِّرْمِذِيُّ مِن حديثِ: أبي الدَّرْداءِ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "ألا أُنَبِّئُكُمْ بخيرِ أعمالِكُم، وأزكاها عندَ مليكِكُم، وأرفعِها في درجاتِكُم، وخيرٍ لكُم مِن إنفاقِ الذَّهبِ والورقِ، وخيرٍ لكُم مِن أنْ تَلْقَوْا عدوَّكُم فتَضْرِبوا أعناقَهُم ويَضْرِبوا أعناقَكُم؟ ". قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ! قالَ: "ذكرُ اللهِ عَزَّ وجَلَّ" (٢). وخَرَّجَهُ مالِكٌ في "الموطَّأ" موقوفًا.


(١) وربّما زاد عليه. وهذا جمع حسن جدًّا بين النصوص.
(٢) (حسن صحيح). وقد جاء عن أبي الدرداء موقوفًا ومرفوعًا من وجوه:
فرواه: ابن أبي شيبة (٣٤٥٧٩)، والطبري (٢٧٨٠١)، وأبو نعيم في "الحلية" (١/ ٢١٩)، وابن حجر في "أمالي الأذكار" (١/ ٩٦ - ابن علّان)؛ من طريق صالحة، عن كثير بن مرّة، عن أبي الدرداء … موقوفًا.
ورواه الحسين المروزي في "زوائد الزهد" (١١٢٩) من طريق ليث بن أبي سليم، قال أبو الدرداء … موقوفًا. وهذا منقطع على ضعف في ليث.
ورواه زياد بن أبي زياد مولى ابن عيّاش، وقال العسقلاني: "مختلف في رفعه ووقفه وفي إرساله ووصله". قلت: على وجوه: روى أوّلها أحمد (٥/ ٢٣٩) من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة، عن زياد، أنّه بلغه عن معاذ … رفعه. وروى الثاني مالك في "الموطّأ" (١/ ٢١١)، عن زياد، قال أبو الدرداء … موقوفًا. وروى الثالث أحمد (٥/ ١٩٥، ٦/ ٤٤٧) عن موسى بن عقبة، عن زياد، عن أبي الدرداء … مرفوعًا. وروى الرابع: أحمد (٥/ ١٩٥)، وابن ماجه (٣٣ - الأدب، ٥٣ - فضل الذكر، ٢/ ١٢٤٥/ ٣٧٩٠)، والترمذي (٤٩ - الدعاء، ٦ - باب، ٥/ ٤٥٩/ ٣٣٧٧)، وابن أبي حاتم في "العلل" (٢٠٣٩)، والطبراني في "الدعاء" (١٨٧٢)، والدارقطني في "العلل" (١٠٨٢)، والحاكم (١/ ٤٩٦)، وأبو نعيم في "الحلية" (٢/ ١٢)، والبيهقي في "الشعب" (٥١٩) و"الدعوات" (٢٠)، وابن عبد البرّ في "التمهيد" (٦/ ٥٦ و ٥٨)، والبغوي في "السنّة" (١٢٤٤)، والمزّي في "التهذيب" (٩/ ٤٦٩)؛ من طريق عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن زياد، عن أبي بحريّة، عن أبي الدرداء … رفعه. وعبد الله بن سعيد بن أبي هند صدوق، فزيادته مقبولة على قاعدة زيادة الثقة، وعندئذ فالحكم هاهنا للرفع والوصل، والسند حسن عن أبي الدرداء مرفوعًا. وذكر معاذ في هذا السند محتمل؛ ففي آخر حديث حديث أبي الدرداء زيادة من قول معاذ، وله طرق عن معاذ عند البزّار والطبراني، فلعلّ زيادًا حمله عن أبي الدرداء رواية وعن معاذ بلاغًا.

<<  <   >  >>