للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سيرُ القلوبِ أبلغُ مِن سيرِ الأبدانِ.

كم مِن واصلٍ ببدنِهِ إلى البيتِ وقلبُهُ منقطعٌ عن ربِّ البيتِ، وكم مِن قاعدٍ على فراشِهِ في بيتِهِ وقلبُهُ متَّصلٌ بالمحلِّ الأعلى.

جِسْمي مَعي غَيْرَ أنَّ الرُّوحَ عِنْدَكُمُ … فَالجِسْمُ في غُرْبَةٍ والرُّوحُ في وَطَنٍ

قالَ بعضُ العارفينَ: عجبًا لمَن يَقْطَعُ المفاوزَ والقفارَ لِيَصِلَ إلى البيتِ فيُشاهِدَ فيهِ آثارَ الأنبياءِ كيفَ لا يَقْطَعُ هواهُ لِيَصِلَ إلى قلبِهِ فيَرى فيهِ أثرَ "وَسِعَني قلبُ عبدي المؤمنِ" (١).

أيُّها المؤمنُ! إنَّ للهِ بينَ جنبيكَ بيتًا لو طَهَّرْتَهُ لأشْرَقَ ذلكَ البيتُ بنورِ ربِّهِ وانْشَرَحَ وانْفَسَحَ.

أنْشَدَ الشِّبْلِيُّ:

إنَّ بَيْتًا أنْتَ ساكِنُهُ … غَيْرُ مُحْتاجٍ إلى السُّرُجِ

وَمَريضًا أنْتَ عائِدُهُ … قَدْ أتاهُ اللهُ بالفَرَجِ

وَجْهُكَ المَأْمولُ حُجَّتُنا … يَوْمَ يَأْتي النَّاسُ بِالحُجَجِ

تطهيرُ القلبِ: تفريغُهُ مِن كلِّ ما يَكْرَهُهُ اللهُ مِن أصنامِ النَّفسِ والهوى، ومتى بَقِيَتْ فيهِ مِن ذلكَ بقيَّةٌ؛ فاللهُ أغنى الأغنياءِ عن الشِّركِ، وهوَ لا يَرْضى بمزاحمةِ الأصنامِ.

قالَ سَهْلُ بنُ عَبْدِ اللهِ: حرامٌ على قلبٍ أنْ يَدْخُلَهُ النُّورُ وفيهِ شيءٌ ممَّا يَكْرَهُهُ اللهُ.

أرَدْناكُمُ صِرْفًا فَلَمَّا مَزَجْتُمُ … بَعُدْتُمْ بِمِقْدارِ الْتِفاتِكُمُ عَنَّا

وَقُلْنا لَكُمْ لا تُسْكِنوا القَلْبَ غَيْرَنا … فَأسْكَنْتُمُ الأغْيارَ ما أنْتُمُ مِنَّا

إخواني! إنْ حُبِسْتُمُ العامَ عن الحجِّ؛ فارْجِعوا إلى جهادِ النُّفوسِ فهوَ الجهادُ


(١) (كذب لا أصل له). ذكره الغزالي في "الإحياء". قال شيخ الإسلام ابن تيميّة: "هو مذكور في الإسرائيليّات، وليس له إسناد معروف عن النبي - صلى الله عليه وسلم -". وقال العراقي في "تخريج الإحياء": "لم أر له أصلًا".
وقال الزركشي: "سمعت بعض أهل العلم يقول هذا حديث باطل، وهو من وضع الملاحدة، وأكثر ما يرويه المتكلّم على رؤوس العوامّ علي بن وفا". قلت: يعني الشاذليّ. وقد دار هذا الحديث على ألسنة الصوفيّة وتلقّته عنهم العوامّ. وانظر للاستزادة: "المقاصد الحسنة" (٩٩٠)، و"كشف الخفا" (٢٢٥٤).

<<  <   >  >>