للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قالَ الحَسَنُ: مشيُكَ في حاجةِ أخيكَ المسلمِ خيرٌ لكَ مِن حجَّةٍ بعدَ حجَّةٍ.

وقالَ عُقْبَةُ بنُ عَبْدِ الغافِرِ: صلاةُ العشاءِ في جماعةٍ تَعْدِلُ حجَّةً، وصلاةُ الغداةِ في جماعةٍ تَعْدِلُ عمرةً.

وقالَ أبو هُرَيْرَةَ لرجلٍ: بكورُكَ إلى المسجدِ أحبُّ إليَّ مِن غزوتِنا معَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. ذَكَرَهُ الإمامُ أحْمَدُ.

أداءُ الواجباتِ كلِّها أفضلُ مِن التَّنفُّلِ بالحجِّ والعمرةِ وغيرِهِما؛ فإنَّهُ ما تَقَرَّبَ العبادُ إلى اللهِ بأحبَّ إليهِ مِن أداءِ ما افْتَرَضَ عليهِم (١). وكثيرٌ مِن النَّاسِ يَهونُ عليهِ التَّنفُّلُ بالحجِّ والصَّدقةِ ولا يَهونُ عليهِ أداءُ الواجباتِ مِن الدُّيونِ ورَدِّ المظالمِ، وكذلكَ يَثْقُلُ على كثيرٍ مِن النُّفوسِ التَّنرُّهُ عن كسبِ الحرامِ والشُّبهاتِ ويَسْهُلُ عليها إنفاقُ ذلكَ في الحجِّ والصَّدقةِ.

قالَ بعضُ السَّلفِ: تركُ دانقٍ ممَّا يَكْرَهُهُ اللهُ أحبُّ إليَّ مِن خمسِ مئةِ حجَّةٍ.

كفُّ الجوارحِ عن المحرَّماتِ أفضلُ مِن التَّطوُّعِ بالحجِّ وغيرِهِ، وهوَ أشقُّ على النُّفوسِ.

قالَ الفُضَيْلُ بنُ عِياضٍ: ما حجٌّ ولا رباطٌ ولا جهادٌ أشدَّ مِن حبسِ اللسانِ، ولو أصْبَحْتَ يَهُمُّكَ لسانُكَ؛ أصْبَحْتَ في همٍّ شديدٍ.

• ليسَ الاعتبارُ بأعمالِ البرِّ بالجوارحِ، إنَّما الاعتبارُ ببرِّ القلوبِ وتقواها وتطهيرِها عن الآثامِ (٢).

سفرُ الدُّنيا يُقْطَعُ بسيرِ الأبدانِ، وسفرُ الآخرةِ يُقْطَعُ بسيرِ القلوبِ (٣).

قالَ رجلٌ لبعضِ العارفينَ: قد قَطَعْتُ إليكَ مسافةً. قالَ: ليسَ هذا الأمرُ بقطعِ المسافاتِ، فارِقْ نفسَكَ بخطوةٍ وقد وَصَلْتَ إلى مقصودِكَ.


(١) في خ: "بأحبّ إليه بأداء ما افترض الله عليهم"، والأولى ما أثبتّه من م ون و ط.
(٢) مراده أنّ عمل الجوارح وحده لا يكفي، بل لا بدّ من حضور القلب ومتابعته للجوارح. وفي أهل الضلالة من لا يعبأ بعمل الجوارح ولا يلتفت له فيترك الجمع والجماعات عكوفًا على تطهير القلب في زعمه. والشيخ بريء من فكر هؤلاء عدوّ لضلالتهم. فاقتضى التنبيه.
(٣) يعني: مع عمل الأبدان كما تقدّم. وفي خ: "ينقطع بسير … ينقطع بسير القلوب".

<<  <   >  >>