للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنَّسائِيُّ وابنُ ماجَهْ بمعناهُ، وفي ألفاظِهِم زيادةٌ ونقصٌ.

وفي بعضِ الرِّواياتِ "صُمِ الحُرُمَ وأفْطِرْ" (١).

• في هذا الحديثِ دليلٌ على أن مَن تَكَلَّفَ [مِن] العبادةِ ما يَشُقُّ عليهِ حتَّى تأذَّى بذلكَ جسدُهُ؛ فإنَّهُ غيرُ مأْمورٍ بذلكَ (٢)، ولذلكَ قالَ لهُ: "مَن أمَرَكَ أنْ تعَذِّبَ نفسَكَ؟ "، وأعادَها عليهِ ثلاثَ مرارٍ.

وهذا كما قالَ لمَن رَآهُ يَمْشي في الحجِّ وقد أجْهَدَ نفسَهُ: "إنَّ الله لغنيٌّ عن تعذيبِ هذا نفسَهُ، فمُروهُ فلْيَرْكَبْ" (٣).

وقالَ لعَبْدِ اللهِ بن عَمْرِو بن العاصِ حيثُ كانَ يَصومُ النَّهارَ ويَقومُ الليلَ ويَخْتِمُ القرآنَ في كلِّ ليلةٍ ولا يَنامُ معَ أهلِهِ، فأمَرَهُ أنْ يَصومَ ويُفْطِرَ ويَقْرَأ القرآنَ في كلِّ سبعٍ. وقالَ لهُ: "إنَّ لنفسِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لأهلِكَ عليكَ حقًّا، فآتِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ" (٤).

ولمَّا بَلَغَهُ عن بعض أصحابِهِ أنَّهُ قالَ: أنا أصومُ ولا أُفْطِرُ، وقالَ آخرُ منهُم: أنا أقومُ ولا أنامُ، وقالَ آخرُ منهُم: لا أتَزَوَّجُ النِّساءَ. فخَطَبَ - صلى الله عليه وسلم -، وقالَ: "ما بالُ رجالٍ يَقولونَ كذا وكذا؟! لكنِّي أصومُ وأُفْطِرُ وأقومُ وأنامُ وآكلُ اللحمَ وأتَزَوَّجُ النِّساءَ، فمَن


= عبد البر في "الاستيعاب" (٣/ ٣٢١) تعليقًا، وابن الأثير في "الغابة" (٣/ ٥٤٧)؛ من طريق حمّاد بن يزيد المنقري، ثنا معاوية بن قرّة المزني، عن كهمس الهلاليّ … رفعه مختصرًا بمعناه دون ذكر الحرم. قال الهيثمي (٣/ ٢٠٠): "فيه حمّاد بن يزيد المنقري ولم أجد من ذكره". قلت: بيض له البخاري وابن أبي حاتم وذكره ابن حبّان في "الثقات" وروى عنه جماعة فمثله لا بأس بحديثه. فإن كانت الحادثة المذكورة في الطريقين واحدة، وكان ذكر "الباهلية" في الطريق الأولى وهمّا من أبي السليل أو الجريري صوابه الهلاليّة، أو كانت مجيبة هلاليّة الأصل باهليّة الزوج والولد فصحّت نسبتها إلى القبيلتين؛ فهذا المتن قويّ بمجموع طريقيه. وإن كان هاهنا حادثتان متشابهتان؛ فالأولى ضعيفة، والمعوّل على الثانية في تقوية هذا المتن. وعليه؛ فالمتن قويّ على الحالين؛ إلّا ذكر الأشهر الحرم؛ فقد تفرّدت به الطريق الأولى وحدها، وهي ضعيفة كما علمت.
(١) (ضعيف). تقدّم تفصيل القول فيه في الحاشية السابقة.
(٢) وربّما وصل به الحال إلى أن يكون آثمًا بفعله هذا.
(٣) رواه: البخاري ٢٨١ - جزاء الصيد، ٢٧ - من نذر المشي، ٤/ ٧٨/ ١٨٦٥)، ومسلم (٢٦ - النذر، ٤ - من نذر أن يمشي، ٣/ ١٢٦٣/ ١٦٤٢)؛ من حديث أنس.
(٤) متّفق عليه. تقدّم تفصيل القول فيه (ص ٢٩٥).

<<  <   >  >>