للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقَتادَةَ ذكرُ فضلِ صيامِهِ، وهوَ قولُ أكثرِ العلماءِ أو كثيرٍ منهُم.

وفي "صحيح مسلم" (١): عن عائِشَةَ؛ قالَتْ: ما رَأيْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صائمًا العشرَ قطُّ. وفي روايةٍ: في العشرِ قطُّ.

وقدِ اخْتَلَفَ جوابُ الإمامِ أحْمَدَ عن هذا الحديثِ:

فأجابَ مرَّةً بأنَّهُ قد رُوِيَ خلافُهُ، وذَكَرَ حديثَ حَفْصَةَ، وأشارَ إلى أنَّهُ اخْتُلِفَ في إسنادِ حديثِ عائِشَةَ: فأسْنَدَهُ الأعْمَشُ، ورَواهُ مَنْصورٌ عن إبْراهيمَ مرسلًا. وكذلكَ أجابَ غيرُهُ مِن العلماءِ بأنَّهُ إذا اخْتَلَفَتْ عائِشَةُ وحَفْصَةُ رَضِيَ اللهُ عنهُما في النَّفيِ والإثباتِ؛ أُخِذَ بقولِ المثبِتِ؛ لأنَّ معَهُ علمًا خَفِيَ على النَّافي (٢).

وأجابَ أحْمَدُ مرَّةً أُخرى بأنَّ عائِشَةَ أرادَتْ أنَّهُ لم يَصُم العشرَ كاملًا؛ يَعْني: وحَفْصَةُ أرادَتْ أنَّهُ كانَ يَصومُ غالبَهُ. فيَنْبَغي أنْ يُصامَ بعضُهُ ويُفْطرَ بعضُهُ. وهذا الجمعُ يَصِحُّ في روايةِ مَن رَوى "ما رَأيْتُهُ صائمًا العشرَ"، وأمَّا مَن رَوى "ما رَأيْتُهُ صائمًا في العشرِ"؛ فيَبْعُدُ أو يَتَعَذَّرُ هذا الجمعُ فيهِ.

وكانَ ابنُ سِيرِينَ يَكْرَهُ أنْ يُقالَ: صامَ العشرَ؛ لأنَّهُ يوهِمُ دخولَ يومِ النَّحرِ فيهِ، وإنَّما يُقالُ: صامَ التِّسعَ، ولكنَّ الصِّيامَ إذا أُضيفَ إلى العشرِ فالمرادُ صيامُ ما يَجوزُ صومُهُ منهُ، وقد سَبَقَ حديثُ أن النَّبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ يَصومُ العشرَ (٣). ولو نَذَرَ صيامَ العشرِ؛ فيَنْبَغي أنْ يَنْصَرِفَ إلى التِّسعِ أيضًا، فلا يَلْزَمُ بفطرِ يومِ النَّحرِ قضاءٌ ولا كفَّارةٌ؛ فإنَّهُ غَلَبَ استعمالُهُ عرفًا في التِّسعِ. ويُحْتَمَلُ أنْ يُخَرَّجَ في لزومِ القضاءِ والكفَّارةِ خلافٌ؛ فإنَّ أحْمَدَ قالَ فيمَن نَذَرَ صومَ شوَّالٍ فأفْطَرَ يومَ الفطرِ وصامَ باقيَهُ: إنَّهُ يَلْزَمُهُ قضاءُ يومٍ وكفَّارةٌ. وقالَ القاضي أبو يَعْلى: هذا إذا نَوى صومَ جميعِهِ، فأمَّا إنْ أطْلَقَ؛ لمْ يَلْزَمْهُ


(١) (١٤ - الاعتكاف، ٤ - صوم عشر ذي الحجّة، ٢/ ٨٣٣/ ١١٧٦).
(٢) وفي هذا كلّه نظر من أوجه: أوّلها: أنّ حديث حفصة ضعيف كما تقدّم آنفًا، فإعلال حديث عائشة الذي رواه مسلم به غير متّجه. والثاني: أنّ إسناد الأعمش مقدّم على إرسال إبراهيم؛ لأنّه زيادة ثقة ثبت إمام حجّة. وليت شعري! إذا لم تقبل زيادة الأعمش؛ فزيادة من؟! والثالث: أنّ تقديم المثبت على النافي إنّما يكون بعد أن تصحّ الأسانيد بهما معًا، وليست الحال هنا كذلك.
(٣) (ضعيف). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ١٢٨ - ١٣٠).

<<  <   >  >>