للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي "مسند الإمام أحْمَد": عن مُعاذِ بنِ أنَسٍ؛ أنَّ رجلًا قالَ: يا رسولَ اللهِ! أيُّ الجهادِ أعظمُ أجرًا؟ قالَ: "أكثرُهُم للهِ ذكرًا". قالَ: فأيُّ الصَّائمينَ أعظمُ أجرًا؟ قالَ: "أكثرُهُم للهِ ذكرًا". قالَ: ثمَّ ذَكَرَ الصَّلاةَ والزَّكاةَ والحجَّ والصَّدقةَ؛ كلُّ [ذلكَ] يَقولُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "أكثرُهُم للهِ ذكرًا"، فقالَ أبو بكرٍ: يا أبا حَفْصٍ! ذَهَبَ الذَّاكرونَ بكلِّ خيرٍ. فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -:"أجل" (١). وقد خَرَّجَهُ ابنُ المُبارَكِ وابنُ أبي الدُّنْيا مِن وجوهٍ أُخَرَ مرسلةٍ، وفي بعضِها: أيُّ الحجَّاجِ خيرٌ؟ قالَ: "أكثرُهُم ذكرًا للهِ". وفي بعضِها: أيُّ الحاجِّ أعظمُ أجرًا؟ قالَ: "أكثرُهُم للهِ ذكرًا" … وذَكَرَ بقيَّةَ الأعمالِ بمعنى ما تَقَدَّمَ (٢).

* فهذا كلُّهُ بالنِّسبةِ إلى الحاجِّ. فأمَّا أهلُ الأمصارِ؛ فإنَّهُم يُشارِكونَ الحاجَّ في عشرِ ذي الحجَّةِ في الذِّكرِ وإعدادِ الهديِ.

فأمَّا إعدادُ الهديِ؛ فإنَّ العشرَ تُعَدُّ فيهِ الأضاحي كما يَسوقُ أهلُ الموسمِ الهديَ، ويُشارِكونَهُم في بعضِ إحرامِهِم؛ فإنَّ مَن دَخَلَ عليهِ العشرُ وأرادَ أنْ يُضَحِّيَ فلا يَأْخُذُ مِن شعرِهِ ولا مِن أظفارِهِ شيئًا كما رَوَتْ ذلكَ أُمُّ سَلَمَةَ عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. خَرَّجَ حديثَها مسلمٌ (٣)، وأخَذَ بذلكَ الشَّافِعِيُّ وأحْمَدُ وعامَّةُ فقهاءِ الحديثِ. ومنهُم مَن شَرَطَ أنْ يَكونَ قدِ اشْتَرَى هديَةُ قبلَ العشرِ، وأكثرُهُم لم يَشْتَرِطوا ذلكَ. وخالَفَ فيهِ مالِكٌ وأبو حَنيفَةَ وكثيرٌ مِن الفقهاءِ وقالوا: لا يُكْرَهُ شيءٌ مِن ذلكَ. واسْتَدَلُّوا بحديثِ عائِشَةَ: كُنْتُ أفْتِلُ قلائدَ الهديِ لرسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فلا يَحْرُمُ عليهِ شيءٌ أحَلَّة اللهُ لهُ (٤). وأجابَ


= أنّه خولف، قال المزّي: "وكذلك [يعني: موقوفًا] رواه أبو عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن القاسم، وكذلك رواه يزيد بن زريع عن حسين المعلّم عن عطاء عن عائشة قولها".
وعلى هذا؛ فقد اضطرب ابن زياد على لينه في هذا المتن وقفًا ورفعًا، وخولف فرواه من هو أوثق منه بدرجات موقوفًا، فبان أنّ الصواب فيه الوقف وأنّ رفعه منكر. وقد أورده الذهبي في "الميزان" في مناكير الرجل، خلافًا لمتابعته الحاكم على تصحيحه في "التلخيص". والله أعلم.
(١) (ضعيف). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ٥٢١).
(٢) (ضعيف). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ٥٢١).
(٣) (٣٥ - الأضاحي، ٧ - النهي أن يأخذ من شعره، ٣/ ١٥٦٥/ ١٩٧٧).
(٤) رواه: البخاري (٢٥ - الحجّ، ١١٠ - تقليد الغنم، ٣/ ٥٤٧/ ١٧٠٢ و ١٧٠٣)، ومسلم (١٥ - الحجّ، استحباب بعث الهدي، ٢/ ٩٥٧/ ١٣٢١).

<<  <   >  >>