للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أسيرُ ذَنْب مُقَيَّدٌ مَأْسورُ … هَلْ يُمْكِنُ أنْ يُبَدَّلَ المَسْطورُ

مَن فاتَهُ في [هذا] العامِ القيامُ بعرفة؛ فلْيَقُمْ للهِ بحقِّهِ الذي عَرَفَه. مَن عَجَزَ عنِ المبيتِ بمزدلفة؛ فَلْيَبُتَّ عزمَهُ على طاعةِ اللهِ وقد قَرَّبَهُ اللهُ وأزْلَفَه. مَن لم يُمْكِنْهُ القيامُ بأرجاءِ الخَيْفِ؛ فلْيَقُمْ للهِ بحقِّ الرَّجاءِ والخوف. مَن لم يَقْدِرْ على نحرِ هديِهِ بمنى؛ فلْيَذْبَحْ هواهُ هنا وقد بَلَغَ المنى. مَن لمْ يَصِلْ إلى البيتِ لأنَّهُ منهُ بعيد؛ فلْيَقْصِدْ ربَّ البيتِ؛ فإنَّهُ أقربُ إلى مَن دَعاهُ ورَجاهُ مِن حبلِ الوريد.

نَفَحَتْ في هذهِ الأيَّامِ نفحةٌ مِن نفحاتِ الأُنسِ مِن رياضِ القدسِ على كلِّ قلبٍ أجابَ إلى ما دُعِي. يا هممَ العارفينَ! بغيرِ اللهِ لا تَقْنَعي. يا عزائمَ النَّاسكينَ! لجميعِ أنْساكِ السَّالكينَ اجْمَعي، لحبِّ مولاكِ أفْرِدي وبينَ خوفِهِ ورجائِهِ اقْرُني وبذكرِهِ تَمَتَّعي. يا أسرارَ المحبِّينَ! بكعبةِ الحبِّ طوفي وارْكَعي، وبينَ صفاءِ الصَّفا ومروةِ المروةِ اسْعَيْ وأسْرِعي، وفي عرفاتِ العرفانِ قِفي وتَضَرَّعي، ثمَّ إلى مزدلفةِ الزُّلفى فادْفَعي، ثمَّ إلى منى نيلِ المنى (١) فارْجِعي. فإذا قَرَّبوا القرابينَ فقَرِّبي الأرواحَ ولا تَمْنَعي. لقد وَضَحَ اليومَ الطريقُ ولكنْ قَلَّ السَّالكُ على التَّحقيقِ وكَثُرَ المدَّعي.

لَئِنْ لَمْ أحُجَّ البَيْتَ إذْ شَطَّ رَبْعُهُ … حَجَجْتُ إلى مَنْ لا يَغيبُ عَنِ الذِّكْرِ

فَأحْرَمْتُ مِنْ وَقْتي بِخَلْعِ شَمائِلي … أطوفُ وَأسْعى في اللَطائِفِ وَالبِرِّ

صَفايَ صَفائي عَنْ صِفاتي ومَرْوَتي … مُروءَةُ قَلْبٍ عَنْ سِوى حُبِّهِ قَفْرِ

وَفي عَرَفاتِ الأُنْسِ بِاللهِ مَوْقِفي … وَمُزْدَلِفي الزُّلْفى لَدَيْهِ إلى الحَشْرِ

وَبَتُّ المُنى مِنِّي مَبيتِيَ في مِنى … وَرَمْيُ جِماري جَمْرُ شَوْقِيَ في صَدْري

وَإشْعارُ هَدْيي ذَبْحُ نَفْسي بِقَهْرِها … وَحَلْقي بِمَحْقِ الكائِناتِ عنِ السِّرِّ (٢)

وَمَنْ رامَ نَفْرًا بَعْدَ نُسْكٍ فَإنَّني … مُقيمٌ عَلى نُسْكِي حَياتي بلا نَفْرِ


(١) في خ: "منى بنيل المنى"، والأولى ما أثبتّه من م ون وط.
(٢) محق الكائنات عن السرّ: استصغارها حتّى تصبح كلا شيء وعدم التطلّع إليها بعين الرغبة والرجاء وعدم الانشغال بها. وله معان أُخرى غير طيّبة انظر لمزيد من التفصيل فيها مقدّمتي لـ"مدارج السالكين" (١/ ٥٩ وما بعدها).

<<  <   >  >>