للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سُبْحانَ مَنْ هُوَ أُنْسي إذْ خَلَوْتُ بهِ … في جَوْفِ لَيْلي وَفي الظَّلْماءِ وَالسَّحَرِ

أنْتَ الحَبيبُ وَأنْتَ الحِبُّ يا أمَلي … مَنْ لي سِواكَ ومَن أرْجوهُ يا ذُخُري

* ومِن العارفينَ مَن كانَ في الموقفِ يَتَعَلَّقُ بأذيالِ الرَّجاءِ:

قالَ ابنُ المُبارَكِ: جِئْتُ إلى سُفْيانَ الثَّوْرِيّ عشيَّةَ عرفةَ، وهوَ جاثٍ على ركبتيهِ، وعيناهُ تَهْمُلانِ، فالْتَفَتَ إليَّ، فقُلْتُ لهُ: مَن أسْوأُ هذا الجمعِ حالًا؟ قالَ: الذي يَظُنُّ أنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ لهُم (١).

ورُوِيَ عنِ الفُضَيْلِ أنَّهُ نَظَرَ إلى نشيجِ النَّاسِ وبكائِهِم عشيَّةَ عرفةَ، فقالَ: أرَأيْتُمْ لو أنَّ هؤلاءِ صاروا إلى رجلٍ فسَألوهُ دانقًا (يَعْني: سدسَ درهمٍ)، أكانَ يَرُدُّهُم؟ قالوا: لا. قالَ: واللهِ؛ للمغفرةُ عندَ اللهِ أهونُ مِن إجابةِ رجلٍ لهُم بدانقٍ.

وَإنِّي لأدْعو اللهَ أسْألُ عَفْوَهُ … وأعْلَمُ أنَّ اللهَ يَعْفو وَيَغْفِرُ

لَئِنْ أعْظَمَ النَّاسُ الذُّنوبَ فَإنَّها … وَإنْ عَظُمَتْ في رَحْمَةِ اللهِ تَصْغُرُ

• وعمَّا قليلٍ يَقِفُ إخوانُكُم بعرفةَ في ذلكَ الموقفِ، فهنيئًا لمَن رُزِقَهُ، يَجْأرونَ إلى اللهِ بقلوبٍ محترقةٍ ودموعٍ مستبقةٍ، فكم فيهِم مِن خائفٍ أزْعَجَهُ الخوفُ وأقْلَقَه، ومحبٍّ ألْهَبَهُ الشَّوقُ وأحْرَقَه، وراجٍ أحْسَنَ الظَّنَّ بوعدِ اللهِ الكريمِ وصَدَّقَه، وتائبٍ نَصَحَ للهِ في التَّوبةِ وصَدَقَه، وهاربٍ لَجَأ إلى بابِ اللهِ وطَرَقَه، فكم هنالِكَ مِن مستوجبٍ للنَّارِ أنْقَذَهُ اللهُ وأعْتَقَه، ومِن أسيرٍ للأوزارِ فَكَّهُ وأطْلَقَه. وحينئذٍ يَطَّلِعُ عليهِم أرْحَمُ الرُّحماء، ويُباهي بجمعِهِم أهلَ السَّماء، ويَدْنو ثمَّ يَقولُ: ما أرادَ هؤلاء؟ لقد قَطَعْنا عندَ وصولِهِمُ الحرمان (٢)، وأعطاهُم نهايةَ سؤلهِمُ الرَّحمان، هوَ الذي أعْطى ومَنَع ووَصَلَ وقَطَع.

ما أصْنَعُ هكَذا جَرى المَقْدورُ … الجَبْرُ لِغَيْري وَأنا المَكْسورُ


(١) قارن بين هذا الكلام وبين ما تقدّم قبله يتبيّن لك فضل العلم وأهله، {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}.
(٢) في خ: "أهل السماء ويبدو ويقول ماذا أراد هؤلاء لقد قطعنا عند وصولهم الحرمان ومنعنا"! وأثبتّ ما في م ون وط.

<<  <   >  >>