للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

• تمنِّي الموتِ يَقَعُ على وجوهٍ:

• منها: تمنِّيهِ لضرٍّ دنيويٍّ يَنْزِلُ بالعبدِ، فيُنْهى حينئذٍ عن تمنِّي الموتِ.

وفي الصَّحيحين (١): عن أنسٍ، عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "لا يَتَمَنَّيَنَ أحدُكُمُ الموتَ لضرٍّ نَزَلَ بهِ، فإنْ كانَ لا بدَّ فاعلًا؛ فلْيَقُلِ: اللهمَّ! أحْيِني ما كانَتِ الحياةُ خيرًا لي، وتَوَفَّني إذا كانَ الوفاةُ خيرًا لي".

[و] وجهُ كراهتِهِ في هذهِ الحالِ أنَّ المتمنِّيَ للموتِ لضرٍّ نَزَلَ بهِ، إنَّما يَتَمَنَّا [هُ]، تعجيلًا للاستراحةِ مِن ضرِّهِ، وهوَ لا يَدْري إلى ما يَصيرُ بعدَ الموتِ، فلَعَلَّهُ يَصيرُ إلى ضرٍّ أعظمَ مِن ضرِّهِ، فيَكونُ كالمستجيرِ مِن الرَّمضاءِ بالنَّارِ. وفي الحديثِ: عن النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "إنَّما يَسْتَريحُ مَن غُفِرَ له" (٢). فلهذا لا يَنْبَغي لهُ أنْ يَدْعُوَ بالموتِ إلَّا أنْ


= يصحّ". والوجه الأوّل تفرّد به هشام وله أوهام وخالف رواية الجماعة عن كثير فروايته أيضًا شاذّة.
فإذا تبيّن لنا أنّ الوجه الثالث هو المحفوظ هنا فإنّ: كثير بن زيد صدوق لا بأس بحديثه. والحارث بن أبي يزيد: تابعيّ، روى عنه ثقتان، وذكره ابن حبّان في "الثقات"، وقوّى حديثه الحاكم والمنذري والهيثمي، فحديثه لا بأس به، ولا سيّما أنّه لم يأت بمعنى منكر، بل هو معنى لا تعوزه الشواهد كما سيأتي. ولذلك قوّى هذا الحديث الحاكم والمنذري والذهبي مرّة والهيثمي والمناوي وقال الذهبيّ مرّة: "مع نكارته له علّة".
(١) البخاري (٧٥ - المرضى، ١٩ - تمنّي المريض الموت، ١٠/ ١٢٧/ ٥٦٧١)، ومسلم (٤٨ - الذكر والدعاء، ٤ - تمني الموت، ٤/ ٢٠٦٤/ ٢٦٨٠).
(٢) (حسن صحيح). رواه: أحمد (٦/ ٦٩ و ١٠٢)، والطبراني في "الأوسط" (٩٣٧٥)، وأبو نعيم في "الحلية" (٨/ ٢٩٠) من طرق، عن ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، عن عائشة … رفعته. وابن لهيعة خلّط، لكن في الرواة عنه هنا قتيبة بن سعيد ويحيى بن إسحاق السيلحيني وحديثهما عنه جيّد.
وله طريق أُخرى يرويها محمّد بن عروة واختلف عليه فيها على وجوه: روى أوّلها ابن المبارك (٢٥١)، عن يونس بن يزيد، عن أبي مقرّن، عن محمّد بن عروة … مرسلًا. وروى الثاني: الحارث (٢٥٧ - زوائد الهيثمي) من طريق عثمان بن عمر، وأبو داوود في "المراسيل" (٥١٩) من طريق ابن وهب؛ كلاهما عن يونس، عن الزهري، عن محمّد بن عروة، عن أبيه … مرسلًا. وروى الثالث البزّار (٧٨٩ - كشف)، عن عثمان بن عمر، عن يونس، عن الزهري، عن محمّد بن عروة، عن أبيه، عن عاشة … مرفوعًا. فالوجه الأوّل هنا أضعف الوجوه لجهالة أبي مقرّن هذا فإنّي لم أقف له على ترجمة. والوجه الثاني أرجحها لاجتماع الثقتين عليه ولأن فيه زيادة على الوجه الأوّل لعيّن المصير إليها. والوجه الثالث قويّ السند، والوصل فيه زيادة ثقة فله حكمها، ولا سيّما أنّ الحديث جاء موصولًا من الطريق الأولى.
وذكر الألباني أن للحديث شاهدًا عند ابن عساكر من حديث بلال لكنّه لم يذكر سنده ولم أقف عليه وأخشى أنّه راجع إلى هذه الطريق نفسها.

<<  <   >  >>