للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَشْتَرِطَ أنْ يَكونَ خيرًا لهُ عندَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وكذلكَ كلُّ ما لا يَعْلَمُ العبدُ فيهِ الخيرةَ لهُ، كالغنى والفقرِ وغيرِهِما، كما يُشْرَعُ لهُ استخارةُ اللهِ فيما يُريدُ أنْ يَعْمَلَهُ ممَّا لا يَعْلَمُ وجهَ الخيرةِ فيهِ، وإنَّما يُسْألُ اللهُ على وجهِ الجزمِ والقطعِ ما يُعْلَمُ (١) أنَّهُ خيرٌ محضٌ، كالمغفرةِ والرَّحمةِ والعفوِ والعافيةِ والهدى والتَّقوى ونحوِ ذلكَ (٢).

• ومنها: تمنِّيهِ خوفَ الفتنةِ في الدِّينِ، فيَجوزُ حينئذٍ، وقد تَمَنَّاهُ ودَعا بهِ خشيةَ الفتنةِ في الدِّينِ خلقٌ مِن الصَّحابةِ وأئمَّةِ الإسلامِ. وفي حديثِ المنامِ: "وإذا أرَدْتَ بقومٍ فتنةً؛ فأقْبِضْني إليكَ غيرَ مفتونٍ" (٣).

• ومنها: تمنِّي الموتِ عندَ حضورِ أسبابِ الشَّهادةِ اغتنامًا لحصولِها، فيَجوزُ ذلكَ أيضًا. وسؤالُ الصَّحابةِ الشَّهادةَ وتعرُّضُهُم لها عندَ حضورِ الجهادِ كثيرٌ مشهورٌ، وكذلكَ سؤالُ معاذٍ لنفسِهِ وأهلِ بيتِهِ الطَّاعونَ لمَّا وَقَعَ بالشَّامِ.

• ومنها: تمنِّي الموتِ لمَن وَثِقَ بعملِهِ شوقًا إلى لقاءِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، فهذا يَجوزُ أيضًا، وقد فَعَلَهُ كثير مِن السَّلفِ. قالَ أبو الدَّرْداءِ: أُحِبُّ الموتَ اشتياقًا إلى ربِّي (٤). وقالَ أبو عِنَبَةَ الخَوْلانِيُّ: كانَ مَن قبلَكُم لقاءُ اللهِ أحبُّ إليهِم مِن الشَّهدِ. وقالَ


= وله شاهد من حديث أبي قتادة مرفوعًا بلفظ: "مستريح ومستراح منه"؛ قاله - صلى الله عليه وسلم - للجنازة. رواه: البخاري (٦٥١٢)، ومسلم (٩٥٠).
فإن لم يكن الحديث صحيحًا بمجموع طريقيه المرفوعين فهو صحيح بشاهديه، وقد رجّح الدارقطني فيه الإرسال، وصحّح الألباني وصله.
(١) في خ: "فيما يعلم"، والأولى ما أثبتّه من م ون وط.
(٢) في حاشية خ هنا: "قال في "الآداب الكبرى": فصل: قال جعفر بن محمّد الصائغ: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كلّ شيء من الخير فبادر به. وقال محمّد بن نصر العابد: سمعت أحمد بن حنبل يقول: كلّ شيء من الخير بادر فيه. قال: وشاورته في الخروج إلى الثغر فقال لي: بادر بادر. وهذا يحتمل أنّه لا الاستخارة فيه كما قاله بعض الفقهاء لظهور المصلحة، ويحتمل أنّ مراده بعد فعل ما ينبغي فعله من صلاة الاستخارة وغيرها، وهو ظاهر كلام الأصحاب؛ لظاهر حديث الاستخارة وغيره وقول جابر: كان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلّها. وقد استخارت زينب لمّا أراد النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن يتزوّجها. قال في "شرح مسلم": فيه استحباب صلاة الاستخارة لمن همّ بأمر، سواء كان الأمر ظاهر الخير أم لا. قال: ولعلّها استخارت من خوفها من تقصيرها في حقّه عليه السلام" اهـ.
(٣) (صحيح لشواهده). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ١٠٤ - ١٠٨).
(٤) الشوق إلى لقاء الله تعالى والنظر إلى وجهه الكريم أمر مستحبّ، ومحبّة الموت لذلك أمر لا =

<<  <   >  >>