(١) في هذا الاستدلال نظر من وجوه: أوّلها: أنّ تفسير تمنّي اليهود للموت بقول أحدهم "يا ليتني أموت الآن" ليس بالمسلّم، بل هذه الآيات دعوة لليهود إلى المباهلة بالدعاء بالموت على الكاذبين كما قيل للنصارى {تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [آل عمران: ٦١]، كما حقّقه شيخ الإسلام ثمّ قرّره ابن القيّم أحسن تقرير. والثاني: سلّمنا أنّ الآية على التفسير المذكور وأنّ أولياء الله يتمنّون الموت في بعض الظروف إقامة للحقّ ودرءًا للباطل، فأين فيها أنّهم يتمنّون الموت كلّ حين على الإطلاق؟! والثالث: أنّه قد يكون شرعًا لمن قبلنا ثمّ جاء شرعنا بالنهي عنه. والرابع: قصر كراهية الموت على صاحب الذنوب لا يخلو من نظر، فمن الناس من كره الموت حبًّا بظمأ النهار وقيام الأسحار وصحبة الأخيار وجهاد الكفّار ونشر العلم في الأمصار، ومنهم من كرهه من أجل أطفاله الصغار … إلخ. والخامس: من ذا الذي سلم من ذنوب كثيرة يتمنّى أن يعمّر ليحدث لها مزيدًا من التوبة والاستغفار!؟ والسادس: وقول من قال "ما يكره الموت إلَّا مريب" هو المريب! وقد قال تعالى في الحديث القدسيّ: "وما ترددت عن شيء أنا فاعله تردّدي عن نفس عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأكره مساءته ولا بدّ له =