للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانَ سُفْيانُ يُنْشِدُ:

إنَّ امْرَءًا يَصْفو لَهُ عَيْشُهُ … لَغافِلٌ عَمَّا تُجِنُّ القُبورُ

نَحْنُ بَنو الأرْضِ وَسُكَّانُها … مِنْها خُلِقْنا وَإلَيْها نَصيرُ

• والعلَّةُ الثَّانيةُ: أن المؤمنَ لا يَزيدُهُ عمرُهُ إلَّا خيرًا، فمِن سعادتِهِ أنْ يَطولَ عمرُهُ ويَرْزُقَهُ اللهُ الإنابةَ إليهِ والتَّوبةَ مِن ذنوبِهِ السَّالفةِ والاجتهادَ في العملِ الصَّالحِ، فإذا تَمَنَّى الموتَ؛ فقد تَمَنَّى انقطاعَ عملِهِ الصَّالحِ، فلا يَنْبَغي لهُ ذلكَ.

ورَوى إبْراهيمُ الحَرْبِيُّ مِن روايةِ: ابن لَهِيعَةَ، عن ابن الهادِ، عن ابنِ المُطَّلِبِ، عن أبيهِ؛ أن النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: "السَّعادةُ كلُّ السَّعادةِ طولُ العمرِ في طاعةِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ" (١).

وقد رُوِيَ هذا المعنى عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مِن وجوهٍ متعدِّدةٍ:

ففي "صحيح البُخارِيِّ" (٢): عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أحدُكُمُ الموتَ: إمَّا محسنًا فلَعَلَّهُ أنْ يَزْدادَ خيرًا، وإمَّا مسيئًا فلَعَلَّهُ أنْ يُسْتَعْتَبَ".

وفي "صحيح مُسْلِم" (٣): عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أحدُكُمُ الموتَ ولا يَدْعُ بهِ مِن قبلِ أنْ يَأْتِيَهُ، إنَّهُ إذا ماتَ أحدُكُمُ انْقَطَعَ عملُهُ، وإنَّهُ لا يَزيدُ المؤمنَ عمرُهُ إلَّا خيرًا".

وفي "مسند الإمام أحْمَد": عن أبي هُرَيْرَةَ، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "لا يَتَمَنَّيَنَّ أحدُكُمُ الموتَ ولا يَدْعُ بهِ مِن قبلِ أنْ يَأْتِيَهُ؛ إلَّا أنْ يَكونَ قد وَثِقَ بعملِهِ؛ فإنَّهُ إنْ ماتَ


(١) (حسن لغيره). رواه: ابن زنجويه (١٠٩٣ - البيان والتعريف)، والحربي (٦٥٥ - لطائف المعارف)، والخطيب في "التاريخ" (٦/ ١٦)؛ من طريق ابن لهيعة، عن ابن الهاد، عن [ابن] المطّلب، عن أبيه، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - … فذكره. وابن لهيعة قد عرف حاله، لكن في الرواة عنه قتيبة بن سعيد، وروايته عنه جيّدة. وابن المطّلب اثنان صدوقان عبد العزيز والحكم. ورواية المطّلب عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - مرسلة.
وله شاهد ضعيف من حديث ابن عمر عند القضاعي في "الشهاب" (٣١٢).
وشاهد من حديث جابر تقدّم أوّل المجلس.
والحديث ضعّفه العراقي، وقال العجلوني: "حسن لغيره"، وهو أولى بالصواب إن شاء الله.
(٢) (٧٥ - المرضى، ١٩ - تمنّي المريض الموت، ١٠/ ١٢٧/ ٥٦٧٣).
(٣) (٤٨ - الذكر والدعاء، ٤ - تمنّي الموت، ٤/ ٢٠٦٥/ ٢٦٨٢).

<<  <   >  >>