للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تلا بعضُ السَّلفِ هذهِ الآيةَ وبَكى وقالَ: إذا جاءَ الموتُ؛ لمْ يُغْنِ عن المرءِ ما كانَ فيهِ مِن اللذَّةِ والنَّعيمِ.

وفي هذا المعنى ما أنْشَدَهُ أبو العَتَاهِيَةِ للرَّشيدِ حينَ بَنى قصرَهُ واسْتَدْعى إليهِ ندماءَهُ.

عِشْ ما بَدا لَكَ سالِمًا … في ظِلِّ شاهِقَةِ القُصورِ

يُسْعى عَلَيْكَ بِما اشْتَهَيْـ … ـتَ لَدى الرَّواحِ وفي البُكورِ

فَإذا النُّفوسُ تَقَعْقَعَتْ … في ضيقِ حَشْرَجَةِ الصُّدورِ

فَهُناكَ تَعْلَمُ موقِنًا … ما كُنْتَ إلَّا في غُرورِ

في "صحيح البُخارِي" (١): عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ قالَ: "أعْذَرَ اللهُ إلى مَن بَلَّغَـ[ـهُ] ستِّينَ مِن عمرِهِ".

وفي "التِّرْمِذِيِّ": "أعمارُ أُمَّتي ما بينَ السِّتِّينَ إلى السَّبعينَ، وأقلُّهُم مَن يَجوزُ ذلكَ" (٢). وفي روايةٍ: "حصادُ أُمَّتي" (٣).

مَن بَلَغَ الخمسينَ؛ فقد تنصَّفَ المئةَ، فماذا يَنْتَظِرُ؟!

لَهْفي عَلى خَمْسينَ عامًا [قَدْ] مَضَتْ … كانَتْ أمامي ثُمَّ خَلَّفْتُها

لَوْ كانَ عُمْري مئةً هَدَّني … تَذَكُّري أنِّي تَنَصَّفْتُها

في بعضِ الكتبِ السَّالفةِ: إنَّ للهِ مناديًا يُنادي كلَّ يومٍ: أبناءَ الخمسينَ! زرعٌ دَنا حصادُهُ. أبناءَ السِّتِّينَ! هَلُمُّوا إلى الحسابِ. أبناءَ السَّبعينَ! ماذا قَدَّمْتُمْ وماذا أخَّرْتم؟ أبناءَ الثَّمانينَ! لا عذرَ لكُم.

لَيْتَ الخلقَ لم يُخْلَقوا! ولَيْتَهُم إذ خُلِقوا عَلِموا لماذا خُلِقوا وتَجالَسوا بينَهُم فتذاكَروا ما عَمِلوا! ألا أتَتْكُمُ السَّاعةُ فخُذوا حذرَكُم.

وقالَ وهبٌ (٤): إنَّ للهِ مناديًا يُنادي في السَّماءِ الرَّابعةِ كلَّ صباحٍ: أبناءَ الأربعين!


(١) (٨١ - الرقاق، ٥ - من بلغ الستّين، ١١/ ٢٣٨/ ٦٤١٩) من حديث أبي هريرة.
(٢) (صحيح). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ٢٤٨).
(٣) (صحيح). تقدّم تفصيل القول فيه (ص ٢٤٩).
(٤) رواه أبو نعيم في "الحلية" (٨/ ١٥٨) من حديث وهيب بن الورد عن وهب بن منبّه، فنسبته صحيحة إلى الاثنين.

<<  <   >  >>